مع التحولات الاقتصادية الجذرية التي تشهدها منطقة الخليج، وضمن مساعيها لزيادة الإيرادات غير النفطية، تتعاظم أهمية قطاع الطيران كأحد أهم المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في تنويع مصادر الدخل العام، وزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي، لاسيما في الكويت، خصوصاً مع تأثيره الكلي والأساسي اقتصادياً، لجهة دعم النمو الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة، وتأثيره المحفز للسياحة التي يسهلها الطيران والتوظيف.

وتزامناً مع رؤية البلدان الخليجية المستقبلية، وما يصاحبها من نهضة متكاملة في مختلف الجوانب، يعوَّل كثيراً في الكويت على أن يشهد قطاع النقل الجوي نمواً متزايداً السنوات المقبلة، في ظل التوجه لتنمية مصادر الدخل وتنويعه وخلق فرص وظيفية نوعية، خصوصاً أن النشاط الذي يولِّده قطاع الطيران لا يقتصر على المساهمة المباشرة، بل يشمل تأثيراً غير مباشر محفزاً للإنفاق على السياحة والفنادق والنقل والترفيه والاتصالات؛ حيث يشكل القوة الدافعة وراء نمو هذه القطاعات، فضلاً عن النشاط المدفوع بالتوظيف الذي تدعمه القوى العاملة في قطاع الطيران المحلي.

ففي دبي، على سبيل المثال، أظهرت دراسة حول التأثير الاقتصادي أن قطاع الطيران أسهم بـ27 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدبي 2023، تعادل 137 مليار درهم إماراتي (37.3 مليار دولار أميركي)، وبأكثر من 630 ألف وظيفة، فيما أسهم بأكثر من 782 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي، إضافة إلى توفيره فرص عمل لما يزيد على 6.2 مليون شخص.

ومن المتوقع أن ترتفع النسبة لتصل نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، فيما تشير توقعات الاتحاد الدولي للنقل الجوي «إياتا» إلى أن يسجل إجمالي إيرادات قطاع الطيران في 2024 رقماً قياسياً جديداً يصل 996 مليار دولار بنمو 9.7%، مقابل 936 ملياراً إجمالي النفقات بنمو 9.4%.

وفيما وقعت الإدارة العامة للطيران المدني الأسبوع الماضي عشرات الاتفاقيات مع عدد من دول العالم لتعزيز التعاون في مجال الطيران المدني وتشجيع الرحلات الجوية مع تلك الدول، تتزايد تأكيدات الاقتصاديين لـ«الراي» على الحاجة لمزيد من الاهتمام الحكومي بقطاع الطيران، باعتباره مشروع دولة وليس مجرد قطاع، وذلك لدوره المحوري في رفع الناتج المحلي وتنويع مصادر الدخل العام، بما ينسجم مع رؤية الكويت 2035، خصوصاً عند الاستناد إلى توقعات النمو المالي، ونمو عدد الركاب في القطاع، وتأثير ذلك على النمو بإجمالي عدد الوظائف المدعومة بقطاع الطيران، ما يتطلب إقرار استثمار إستراتيجي بهذا القطاع.

وفي هذا الإطار، قال المحلل الاقتصادي، ورئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستشارات جاسم السعدون: إن قطاع الطيران وسيلة لدعم السياحة، ومعها جميع مكونات قطاع الضيافة، التي تشمل الفنادق والمطاعم والتاكسي والنقل العام والترفيه وتجارة التجزئة والاتصالات، وغيرها، مشيراً إلى أن هذه المكونات تمثل مستهدفات متكاملة من تطوير قطاع الطيران.

ونوه السعدون إلى أن التطوير المستهدف في هذا الخصوص يتطلب تبني الطيران كمشروع دولة، وأن يكون من ضمن محركات ذلك فتح الكويت بما يسمح أن تكون محطة للنقل بين الشرق والغرب، فضلاً عن ضرورة التساهل مع إجراءات دخول البلاد، حتى يمكن تنشيط جميع قطاعات الضيافة.

من جهته، أكد رئيس مجلس إدارة شركة الخطوط الكويتية السابق علي الدخان أن قطاع الطيران يشكل أحد المرتكزات الرئيسية التي تعتمد عليها الدول التي نجحت في تنويع مصادر دخلها، بمحركات اقتصادية قوية، ومستدامة.

وبين الدخان أن غالبية دول الخليج عززت جدراة ميزانياتها العامة بوضع الطيران ضمن اهتماماتها الرئيسية، مشيراً إلى أن الكويت تحتاج إلى تطوير هذا القطاع بما يستقيم مع رؤيتها للتنمية 2035.

ولفت إلى أن تصنيف قطاع الطيران في الكويت كأحد مصادر الدخل الرئيسية للميزانية العامة، يتطلب تبويبه في السياسة العامة كمشروع دولة، وليس قطاعاً منفصلاً، ليحظى أثناء ذلك بجميع وسائل الدعم الممكنة، وتفتيت جميع المصدات التي تواجه نموه مع الجهات ذات العلاقة.

وقال الدخان إن الأهمية الإستراتيجية التي يتمتع بها قطاع الطيران لو أحسن استغلاله تتمثل في تحقيق أكثر من فائدة اقتصادية، فمن ناحية يسهم في معالجة الخلل الهيكلي الذي يطغى على ميزانية الكويت لجهة الاعتماد شبه الكلي على النفط كمصدر شبه وحيد للدخل. ومن ناحية ثانية يعتبر الطيران القوة الدافعة وراء النمو المستهدف للسياحة المحلية، حيث يعد الإنفاق السياحي المدعوم بالطيران أحد موارد الدول التي اهتمت بتطوير هذا القطاع.

إضافة إلى ذلك أكد الدخان أهمية دور قطاع الطيران في تغيير ثقافة التزام الدولة بتعيين جميع الخريجيين، حيث يعتبر الطيران أحد أبرز القطاعات المستقبلة للوظائف، موضحاً أن ذلك يسهم في تخفيف أعباء الدولة مالياً، ويساعد في طرح وظائف نوعية للكويتيين.

الإمارات

وشهدت مساهمة قطاع الطيران في الناتج المحلي لدول الخليج نمواً لافتاً العام الماضي، لاسيما مع التوسع الكبير في حجم الأساطيل، وتطوير المطارات القائمة، وتدشين مطارات جديدة، حيث تجاوز حجم مساهمة قطاع الطيران في اقتصادات السعودية وقطر والإمارات 100 مليار دولار.

وتتصدر الإمارات باقي الدول الخليجية في مساهمة القطاع للناتج المحلي، حيث شمل التأثير الاقتصادي الأساسي للطيران 94 مليار درهم، إضافة إلى 43 ملياراً من التأثير المحفز للسياحة التي يسهلها الطيران. ومن المتوقع أن تزداد هذه الأرقام بشكل مطرد، حيث ستساهم الأنشطة التي تدعمها مجموعة طيران الإمارات ومؤسسة مطارات دبي بمبلغ 196 ملياراً، أو ما يعادل 32% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع بحلول 2030.

السعودية

وفي السعودية أسهم قطاع الطيران المدني بمبلغ 53 مليار دولار في اقتصاد المملكة، منها 20.8 مليار من خلال أنشطة الطيران، و32.2 مليار السياحة، وتوفير 241 ألف فرصة عمل في قطاع الطيران المدني، وقرابة 717 ألف فرصة عمل أخرى في قطاع السياحة، حيث يشهد قطاع الطيران السعودي قفزات كبرى وفق المؤشرات الدولية، وتحولاً داعماً لـ«رؤية 2030»، كما يتماشى مع الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية، ما يوفر فرصاً غير مسبوقة في قطاع النقل الجوي.

قطر

أما في قطر، فيتوقع أن يسهم قطاع السفر والسياحة بـ«أعلى مستوى على الإطلاق» بقيمة 90.8 مليار ريال هذا العام، وأن يدعم السوق بأكثر من 334 ألف وظيفة، ما يمثل 15.8% من إجمالي القوى العاملة 2024.

اتجاهات الكويت

40 شركة طيران مشغّلة

39 دولة ترتبط بمطار الكويت

80 وجهة لشركات الطيران العاملة محلياً

4.96 مليار مسافر 2024

توقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي «إياتا» أن يصل إجمالي المسافرين 2024 إلى 4.96 مليار، وأن يبلغ إجمالي حجم الشحن الجوي 62 مليون طن، مشيرة إلى أن العائد على رأس المال المستثمر سيصل 5.7 في المئة، أي أقل بنحو 3.4 نقطة مئوية من متوسط تكلفة رأس المال، مبينة أن الأرباح التشغيلية ستصل 59.9 مليار دولار، مقارنة بـ52.2 مليار 2023.

تنافس خليجي لإطلاق مشاريع طيران عملاقة

أولت دول الخليج أهمية كبيرة لقطاع النقل الجوي من خلال إطلاق مشاريع عملاقة عدة في مجال الطيران والشحن الجوي، كبوابة لربط العمل بأسطول ضخم من الطائرات، حيث قامت السعودية بتقديم فرص استثمارية في قطاع الطيران بقيمة 100 مليار دولار خلال 2024، فيما بلغت قيمة مشاريع مطاراتها قيد التنفيذ 4.3 مليار، كما توجد مشاريع بقيمة 2.7 مليار في مرحلة طرح المناقصات وتأهيل المقاولين، وتبلغ قيمة مشاريع المطارات قيد الدراسة نحو 10 مليارات.

وكشفت الهيئة العامة للطيران المدني في الإمارات عن 4 من أبرز المشاريع الجاري تنفيذها على صعيد البنية التحتية بمطارات الإمارات، وهي توسعة مبنى المسافرين في مطار الشارقة الدولي بميزانية إجمالية تبلغ 2.4 مليار درهم، ومشروع إعادة تأهيل المدرج الشمالي لمطار زايد الدولي، ومشروع تطوير مطار جزيرة صير بني ياس، ومشاريع تطوير إنارة المطارات الوطنية.

وتجرى قطر حالياً تنفيذ أعمال المرحلة «ب» من مشروع التوسعة الكبيرة لمطار حمد الدولي، وكان الهدف من مشروع التوسعة في مرحلته الأولى (أ) التي تمت بمقدار 125 ألف متر مربع، تعزيز تجربة المسافرين وتلبية الطلب التجاري والتشغيلي المتزايد على المطار.

وتخطط سلطنة عُمان لإضافة 6 مطارات جديدة، يُتوقع تشغيل معظمها بحلول 2028-2029، ورفع أعداد المسافرين إلى نحو 50 مليون مسافر سنوياً، كما رصدت البحرين 10 مليارات لبناء مطار جديد.