بعد أسابيع من الترقب، شن الجيش الإسرائيلي، أمس، ضربات «دقيقة وموجهة» على مواقع تصنيع صواريخ وقدرات جوية أخرى في إيران، رداً على هجوم الأول من فبراير الجاري، مهدداً الجمهورية الإسلامية بجعلها تدفع «ثمناً باهضاً» في حال قررت الرد، بينما أعلنت طهران أن الهجوم أدى إلى «أضرار محدودة»، وأكدت «الحق في الدفاع عن نفسها وملزمة به»، لكنها «تدرك مسؤولياتها تجاه السلام والأمن بالمنطقة»، وذلك في بيان اتسم بلهجة تصالح أكبر من البيانات الصادرة في موجات سابقة من التصعيد.

وأدى خطر اندلاع حرب أوسع نطاقاً بين الخصمين المدججين بالسلاح إلى توتر في المنطقة التي تشهد تصعيداً بالفعل في ظل حربي غزة ولبنان، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كانت الضربات الإسرائيلية ستؤدي لمزيد من التصعيد، في ظل الرسائل الإسرائيلية لإيران، قبل الهجوم، الذي لم يستهدف مواقعها النفطية والنووية بعد دعوات ملحة من الحلفاء ودول الجوار لضبط النفس.

واستهدفت عملية «أيام القصاص» الانتقامية 20 هدفاً إستراتيجياً على مسافة نحو 1600 كيلومتر داخل الأراضي الإيرانية.

وتمت العملية على ثلاث موجات رئيسية، ابتداءً من الساعة 02:00 فجراً، حيث استهدفت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، منشآت تصنيع صواريخ أنتِجت فيها صواريخ أطلقتها إيران على إسرائيل خلال العام الماضي، ومنشآت المسيرات، ومنظومات صواريخ أرض - جو وقدرات جوية إضافية، «كانت تهدف إلى تقييد حرية عملية إسرائيل الجوية في إيران».

وأكد الناطق باسم الجيش دانيال هغاري في بيان منفصل أنّه أن إيران «دفعت الثمن، والآن نحن نركز على أهداف الحرب في غزة ولبنان».

وتابع «إذا ارتكب النظام الإيراني خطأ ببدء دورة تصعيد جديدة، سنضطر إلى الرد».

وقال «باتت إسرائيل الآن تتمتع بهامش تحرك أوسع في أجواء إيران أيضاً».

وانتهى الهجوم الذي شاركت فيه مقاتلات وطائرات للتزود بالوقود وطائرات جمع المعلومات والإلكترونيات وطائرات القيادة والسيطرة، في الساعة 06:00 عندما عادت كل الطائرات بسلام إلى قواعدها، بحسب إسرائيل.

وأكدت هيئة البث الإسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أجرى تقييماً أمنياً في قاعدة سلاح الجو في تل أبيب خلال تنفيذ الهجوم، بحضور وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هيرتسي هاليفي ورئيس جهاز «الموساد» ديفيد برنياع ورئيس جهاز «الشاباك» رونين بار.

كما تحدث غالانت إلى نظيره الأميركي لويد أوستن بعد بدء الضربات بفترة وجيزة.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية إن أوستن أكد على تعزيز وضع القوات الأميركية للدفاع عن الجنود الأميركيين وإسرائيل والشركاء في أنحاء المنطقة.

وفي طهران، أعلنت وزارة الخارجية في بيان «تعتبر إيران أنّ من حقّها وواجبها الدفاع عن نفسها ضدّ الأعمال العدوانية الأجنبية، على أساس الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة».

وفيما أكدت طهران أنّ الهجوم «تسبّب بأضرار محدودة»، ذكر الجيش الإيراني، إنّه «فَقَد 4 من جنوده الذين كانوا يتصدّون لقذائف الكيان الصهيوني المجرم دفاعاً» عن الأراضي الإيرانية.

وأفاد التلفزيون الرسمي عن سماع دوي «ستة انفجارات» قرب العاصمة «مرتبطة بتفعيل منظومة الدفاع الجوي ضد عملية الكيان الصهيوني الذي هاجم ثلاثة مواقع في ضواحي طهران».

وبعد الانفجارات الستة التي، كان بالإمكان سماع ومشاهدة انفجارات متواصلة مصحوبة بشهب ضوئية من العاصمة الإيرانية.

وذكرت قوات الدفاع الجوي في بيان إنّ إسرائيل قامت «بمهاجمة مراكز عسكرية في محافظات طهران وخوزستان (جنوب غرب) وإيلام (غرب)» عند الحدود مع العراق «في خطوة تثير توتراً».

وأضافت «بينما تم اعتراض هذا العمل العدواني ومواجهته بنجاح من قبل المنظومة الشاملة للدفاع الجوي، فقد لحقت أضرار محدودة ببعض النقاط، ويجري التحقيق في أبعاد الحادث».

وذكرت «وكالة تسنيم للأنباء» أن قواعد الحرس الثوري التي جرى استهدافها لم تتعرض لأضرار.

كيف نُفّذت الضربة؟
أعلنت إسرائيل أنها نفذت ردها على إيران عبر أكثر من 100 طائرة بينها مقاتلات منها «إف - 35»، فضلاً عن مسيّرات، مشددة على أن كل الطائرات عادت بسلام إلى تل أبيب.
في المقابل، نقلت وسائل إعلام إيرانية، عن مصادر مطلعة، أن العملية الإسرائيلية نفذت «بأجسام طائرة صغيرة» أحبطت بنجاح.
وأكدت «وكالة تسنيم للأنباء» نقلاً عن مصدر مطلع أن الهجوم تم من خارج الحدود الإيرانية.
وقال مسؤولون إسرائيليون إن الهجوم بدأ بعد تمهيد بغارات على منظومات دفاع جوي مع تجنب البنية التحتية للطاقة.
وأفادت صحيفة «نيويورك تايمز»، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، بأن التمهيد بدأ بقصف بطاريات دفاع جوي ورادارات في سورية والعراق.
هل كانت طهران تعلم؟
أورد موقع «أكسيوس» الأميركي، أن إسرائيل أرسلت رسالة إلى إيران، الجمعة، مُحذرة من الرد، وأوضحت ما الذي ستهاجمه أو تتجنبه.
وتابع الموقع أن الرسالة نقلت عبر قنوات عدة، بينها وزير الخارجية الهولندي كاسبر فيلدكامب الذي كتب على منصة «إكس» قبل ساعات من الهجوم «تحدثت مع وزير الخارجية الإيراني (عباس عراقجي) عن الحرب والتوترات المتزايدة في المنطقة. حثثت على ضبط النفس، يجب على جميع الأطراف العمل لمنع مزيد من التصعيد». كما أفادت مصادر موثوقة بأن وسيطاً عراقياً نقل إلى طهران رسالة أميركية تضمنت «معلومات عن الخطوط الحمراء التي استثناها الرد الإسرائيلي على إيران». وشددت الرسالة على المسؤولين الإيرانيين، حسب المصادر، «عدم الخوض مجدداً في لعبة الرد والرد المضاد».
إنكار حجم الأضرار!
أكدت إيران أن الدفاعات الجوية تعاملت بيقظة وأحبطت العملية الهجومية في الوقت المناسب.
ونقلت «وكالة تسنيم للأنباء» عن مصدر إيراني أن إسرائيل تسعى لتضخيم حجم هجومها «الضعيف».
بالمقابل، اعتبرت إسرائيل أن ردها حقق كل أهدافه وكان دقيقاً ومدروساً باستهداف مواقع عسكرية فحسب.
وأفاد موقع «واللا»، نقلاً عن مصادر، أن إسرائيل خططت هجومها بما يتيح لطهران إنكار حجم الأضرار وإخفاءها.
كما نقلت شبكة «سي إن إن» عن مسؤول أميركي أن الضربات الإسرائيلية كانت واسعة النطاق ودقيقة.
إيران بعد الهجوم
بدت المدن الإيرانية التي تعرضت للهجوم طبيعية صباح أمس، باستمرار الأعمال وحركة السير بشكل روتيني. كما استؤنفت رحلات الطيران في الساعة التاسعة صباحاً، من دون أن تتأثر المطارات بالهجوم. وقلل المسؤولون ووسائل الإعلام من أهمية الهجوم، ولكن في شوارع طهران أعرب مثيرون عن قلقهم من أن الضربات شكلت تصعيداً جديداً وخطوة نحو حرب مفتوحة.
إسرائيل بعد الهجوم
أعلن الجيش الإسرائيلي أنه لم يطرأ أي تغيير على القيود المفروضة لضمان السلامة العامة في أنحاء إسرائيل، في إشارة إلى أنه لا يتوقع رداً إيرانياً فورياً. لكن القناة الـ12، ذكرت أن أنظمة الدفاع الجوي في حال تأهب قصوى. وأضافت أن تل أبيب نشرت مظلة دفاعية واسعة بدعم من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، وتشمل منظومات «حيتس» 2 و3 و«مقلاع داود» و«القبة الحديدية» و«ثاد».
الأردن «لم يسمح» بعبور أجوائه
دان الأردن، الضربات الإسرائيلية على إيران، محذراً من العواقب الخطرة للهجوم الذي يدفع «باتجاه المزيد من التوتر» في المنطقة.
وأكد مصدر في القوات المسلحة، أنه «لم يُسمح لأي طائرة عسكرية بالعبور من الأجواء الأردنية من قبل الأطراف المتصارعة في المنطقة» في إشارة إلى إسرائيل وإيران.
وصرح المصدر لقناة «المملكة» بأن «سلاح الجو الملكي كان يراقب الأوضاع باهتمام بالغ وعلى أهبة الاستعداد لحماية الوطن».