في لحظة ثقافية فارقة، وبينما تستعد الكويت لارتداء ثوب عاصمة الثقافة العربية في عام 2025، يأتي اختيار الروائي والأديب طالب الرفاعي شخصية العام الثقافية ليضيف بُعداً عميقاً لهذا الحدث التاريخي. هذا الاختيار لم يكن مجرد تكريم عابر لكاتب موهوب، بل هو اعتراف بمسيرة إبداعية استثنائية استطاعت أن تمزج بين أصالة التراث الكويتي وآفاق الحداثة العالمية.

نشأ طالب الرفاعي في بيئة كويتية أصيلة، تشربت روحه عبق البحر وحكايات الغواصين، وتغذت مخيلته بقصص الأجداد وحكمتهم، لكنه لم يكتفِ بهذا المنهل المحلي، بل فتح نوافذ روحه على الآداب العالمية، فتشكلت شخصيته الأدبية من مزيج فريد جمع بين الأصالة والمعاصرة، بين الهوية المحلية والرؤية العالمية.

تميزت كتابات الرفاعي بأسلوب سردي خاص، يجمع بين بساطة التعبير وعمق المعنى، استطاع أن يرسم شخصياته بحرفية عالية، موظفاً اللهجة المحلية بذكاء من دون أن يفقد النص قدرته على مخاطبة القارئ العربي في كل مكان. في رواياته نجد معالجة جريئة لقضايا المجتمع الخليجي، لكنها معالجة لا تنغلق على المحلية، بل تنطلق منها إلى آفاق إنسانية أرحب.

لم يقتصر دور الرفاعي على الإبداع الأدبي فحسب، بل امتد ليشمل تأسيس الملتقى الثقافي الذي أصبح منصة مهمة لاكتشاف المواهب الأدبية الشابة ورعايتها، كما ساهم بشكل فعال في تطوير الحركة الثقافية الكويتية، وكان سفيراً للأدب الكويتي في المحافل العربية والدولية، ترجمت أعماله إلى لغات عديدة، ونال جوائز مرموقة اعترافاً بتميّزه وإبداعه.

يأتي استحقاق الرفاعي لهذا التكريم نتيجة لعوامل متداخلة عدة، فهو من جهة صاحب أسلوب كتابة متفرّد، قادر على التجديد والتطوير المستمر. ومن جهة أخرى، له دور ثقافي بارز في دعم المواهب الشابة وتعزيز الحوار الثقافي. أما البعد الإنساني في أعماله، فقد جعل منه كاتباً قادراً على التواصل مع مختلف الثقافات، مقدماً صورة مشرّفة للأدب الكويتي على المستوى العالمي.

استطاع الرفاعي من خلال أعماله تطوير السرد الروائي الخليجي، معالجته للقضايا المجتمعية لم تكن مجرد رصد سطحي، بل كانت رؤية إصلاحية عميقة قدمها عبر الأدب، معززاً بذلك الوعي الثقافي والاجتماعي.

يمكن القول إن اختيار طالب الرفاعي شخصية العام الثقافية هو اختيار موفق يعكس عمق التجربة الثقافية الكويتية وقدرتها على إنتاج أصوات إبداعية مؤثرة. إنه تكريم يؤكد على دور الكويت الريادي في المشهد الثقافي العربي، ويبرز قدرة المثقف الكويتي على تجاوز الحدود المحلية والتأثير في المشهد الثقافي في العالم. كما يأتي هذا التكريم ليؤكد أن الثقافة الكويتية ليست مجرد تاريخ نفتخر به، بل هي حاضر مشرق وغد واعد يتجسد في قامات إبداعية مثل أستاذنا الكبير طالب الرفاعي.

نهاية المطاف: حين نكرّم الأدب... نكرّم الإنسانية بأسرها.