«لولا الظروف الصعبة لبقينا نظن أن جميع من حولنا سند»

محمود درويش

مشهد بطولي شهدت عليه كاميرا العدو باللحظات الأخيرة من حياة «السنوار»، رحمه الله تعالى، وهو متلثم بالكوفية، وكأن المشهد سينمائي، لرجل قاتل حتى استنفد كل ما في سلاحه... وهو مصاب وجريح، وذراعه اليمنى مهشمة واضطر لأن يربطها من أعلى بحبل وجده في البيت حتى يوقف نزيف الدم، ولكنه ما زال يجلس بثبات مهيب، قاوم حتى آخر لحظة النفس الأخير.

وهذا المقطع القصير الذي يبدو فيه السنوار ممسكاً عصاه ويقاتل العدو الصهيوني بكل شجاعة وإقدام فنّد كل حملات الأكاذيب والتضليل التي كانت تقال عنه في الخفاء من بعض وسائل الإعلام التي تتبنى الرواية الصهونية، إنه كان يعيش مع أسرته وهو مرفه في الفنادق مع أسرته بينما ترك الشعب الفلسطيني لمصيره، حتى جاء هذا المشهد البطولي وفند كل الروايات، وحرق سنوات من جهود التخذيل لتسهيل مخططات إسرائيل.

‏مهما تحدثنا فلا رثاء يفي ولا كلام، من كان يتصور لشخص قضى 22 عاماً في سجون الاحتلال، ويخرج بعدها ليكمل مسيرة المقاومة وطريق الشهادة، وأشاهد بعض المقاطع التي تم تصويرها أثناء خروجه من السجن ملوحاً بيده من نافذة الباص وهو نحيل الجسم.

وما حصل لـ«السنوار» كنا نسمعه في كتب السيرة والتاريخ بجانب الأبطال وعظماء الإسلام، كجعفر بن أبي طالب، وخالد بن الوليد، والسلطان قطز، وصلاح الدين الأيوبي، وطارق بن زياد، وحادثة العصا سيذكرها التاريخ كمثل عربي ونسميها «عصا السنوار»، وتكون رمزاً ودلالة على أن الإنسان حاول بكل طاقته، وبذل كل جهده فنذكر «رميته بعصا السنوار» فيعني أنك رميته بآخر ما لديّ بعدما استنفدت كل الوسائل المتاحة.

ويقال عنه إنه كان دائم الانشغال بالوقت وكأنه في سباق مع الزمن، ويشعر أن الوقت لا يفي لتحقيق أحلامه وتحرير الأرض وإخراج الأسرى، كان حريصاً على الوقت والزمن.

وقيام العدو الصهيوني بنشر المقطع الخاص بـ«السنوار» وهو يشعر بنشوة الانتصار كان هدفه القضاء على فكرة المقاومة وأنه حصل على ما كان يتمنى، ولكن نتائج المقطع جاءت على عكس ما كان يتمنى تماماً حيث حقق انتشاراً وتعاطفاً دولياً مع القضية الفلسطينية، ولو أنهم عرفوا أنه هو السنوار لما قتلوه، وكان يستطيع أن يزيل اللثام عن وجه فتتعرف عليه الكاميرا ولكنه اختار طريق البطولة والشهادة.

ونشرت «هآرتس» العبرية تقريراً بعنوان: «ابتسامة السنوار تقول كل شيء»، سلّطت فيه الصحيفة الإسرائيلية على قائد حركة حماس «يحيى السنوار»، وهو يجلس على أريكة فوق ركام منزله المدمر قبل ثلاث سنوات، وكتبت الصحيفة: «على الرغم من اعتراض غالبية صواريخ غزة واستهداف (حماس)، فإن صورة السنوار وهو يبتسم ستظل مقابل تلك الإنجازات». وذكرت: «إن صورته هذه توجه رسالة واضحة وبصوت عالٍ، مفادها أننا ما دمنا جالسين فوق أرض غزة فمعناه أن إسرائيل لم تهزمنا على الإطلاق، وهناك جولة أخرى بالتأكيد، تعقبها جولات».

رحم الله يحيى السنوار، الذي نشأ في ظروف اجتماعية صعبة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبدأ في الانخراط في الأنشطة والمقاومة ضد الاحتلال، في أواخر الثمانينات اعتقلته القوات الإسرائيلية بتهمة تشكيل خلايا مسلحة، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، لكنه قضى أكثر من عقدين في السجن قبل أن يُفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى عام 2011، والتي عرفت بصفقة «وفاء الأحرار».

كان يُعرف بمواقفه الصارمة في ما يتعلق بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

يُعتبر من القيادات التي تفضل الحلول العسكرية على السياسية، وهو داعم قوي للعمليات المسلحة ضد الكيان الغاصب، وحاول السنوار أن يقدم رؤية براغماتية في بعض الأحيان، ساعياً لتحقيق توازن بين المقاومة المسلحة والانفتاح على القوى الإقليمية والدولية لتحقيق مصالح قطاع غزة.