تقدمت الدباباتُ الإسرائيلية إلى أطراف بلدتيْ كفركلا والعديسة الحدوديتيْن في جنوب لبنان، إيذاناً ببدء الغزو البري الإسرائيلي للبنان.

وللمرة الأولى منذ العام 2006، تحركت الفرقة 91 إلى ما وراء الحدود، ما عرّض الدبابات لهجمات أكثر مباشرة من قبل قوات «حزب الله».

وفي التضاريس المعادية مثل جنوب لبنان، تشكل تكتيكاتُ الحزب الدفاعية وترسانته، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات، تحدياً هائلاً للقوات الإسرائيلية المتقدمة.

وصعّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التوترات بشكل كبير مع لبنان، محذراً قوة الأمم المتحدة الموقتة (اليونيفيل) بوجوب الانسحاب من المناطق الحدودية حيث تتمركز في نقاط منتشرة على طول الحدود التي تعمل القوات الغازية على اجتياحها.

وتُراقِبُ «اليونيفيل»، التي أنشئت العام 1978 وتم تعزيزها بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 1701، وقف إطلاق النار بين الحزب وإسرائيل منذ 2006. ورغم طلب نتنياهو انسحاب القوات الأممية، رفض مجلس الأمن الطلب باجماع 15 عضواً، وأصرّ على بقاء قوات حفظ السلام في مكانها.

وتالياً، فإن مساعي نتنياهو لإزالة «اليونيفيل» تكشف عن طموح إسرائيل الإستراتيجي لإزالة أي عقبات دولية بينما تستعدّ لموقف أكثر عدوانية تجاه لبنان.

وقد اتخذ الجيش الإسرائيلي بالفعل خطواتٍ استفزازيةً، حيث أصاب العديد من قوات «اليونيفيل» في أكتوبر 2024 واقتحم مناطق تسيطر عليها في الناقورة ومروحين.

وتشكل هذه الانتهاكات جزءاً من خطة تل أبيب الأوسع لإنشاء منطقة عازلة - إذا استطاعت البقاء في أرض معادية - بعرض 5 كيلومترات وطول 100 كيلومتر في جنوب لبنان، بإجمالي مساحة 500 كيلومتر مربع، وهو ما تعترضه تحديات كبيرة نظراً للتضاريس الصعبة لجنوب لبنان.

علماً أن إسرائيل فشلت في السيطرة الكاملة على غزة (364 كيلومتراً مربعاً) ذات الجغرافيا البسيطة وحيث تفتقر المقاومة الفلسطينية إلى قدرات الصواريخ والطائرات من دون طيار المتطوّرة التي يملكها «حزب الله».

وقد أكد المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكشتاين على الحاجة إلى التنفيذ الكامل للقرار 1701، ملمحاً إلى آلية جديدة (تعديل) لفرض القرار بشكل أكثر فعالية.

وقد يتطلّب ذلك تقديم قرار منقّح أو جديد لمعالجة الحقائق الحالية على الأرض.

ومع ذلك، يأتي هذا الاقتراح في وقتٍ يرفض حزب الله، كجزء من محور المقاومة، التفاوض تحت النار، ما يشير إلى مقاومةِ أي تحركات دبلوماسية تتم تحت ضغط النار والصراع المستمر.

خطة المنطقة العازلة والمعضلات العسكرية

يُنظر إلى طموح إسرائيل لإنشاء منطقة عازلة على أنه حماية لحدودها الشمالية من نيران الصواريخ والقذائف.

ويَعمل حزب الله في بيئة أكثر تعقيداً ويستفيد من شبكة واسعة من الأنفاق والمخابئ والتحصينات الدفاعية. وتتيح هذه المواقع لمقاتلي الحزب التهربَ بسرعة من الغارات الجوية ونصْب الكمائن للقوات الإسرائيلية المتقدمة أو المتمرْكزة في نقاط حاكمة.

وعلاوة على ذلك، يتمتع الحزب بقدرة الوصول إلى الصواريخ الموجّهة بدقة والطائرات من دون طيار وخطوط الإمداد المتدفقة من إيران، ما يجعله خصماً هائلاً لأي قوة غزو.

وإدراكاً لهذه التحديات، لجأتْ إسرائيل إلى الاعتماد بشكل كبير على القصف الجوي، واستهداف البنية التحتية المدنية في جنوب لبنان.

ويبدو أن الأهداف العسكرية لنتنياهو تتمحور حول إضعاف قاعدة الدعم الاجتماعي لحزب الله من خلال زيادة تكاليف إعادة الإعمار.

ومع ذلك، قد تسفر هذه الاستراتيجية عن مكاسب تكتية محدودة، حيث تظل قيادة الحزب وقدراته العسكرية سليمةً على الرغم من القصف.

وقد دفعت هذه الصعوبة إسرائيل إلى إرسال وثائق لـ «الاستسلام» المشروط عبر هوكشتاين، ما يشير إلى موقف ضعفٍ وليس قوة برفْع سقف الشروط في وقتٍ اعتاد حزب الله على الدمار الحاصل ضمن بيئته الحاضنة ولم تتقدّم القوات الإسرائيلية لتحقق أهدافها وإملاء شروطها.

الاستعدادات لهجوم أكبر

اتخذت تصريحات نتنياهو الأخيرة نبرةً رمزية عميقة وكارثية باستخدامه عبارة «حرب يوم القيامة»، مشيراً إلى أنه ينظر إلى الصراع الحالي باعتباره معركة وجودية من أجل بقاء إسرائيل.

وهذا النوع من الخطاب يهدف إلى تعبئة الرأي العام الإسرائيلي وتأطير الصراع باعتباره معركة مصيرية وذلك لتوحيد السكان الإسرائيليين، وحشْد الدعم للتصعيد العسكري وردْع الخصوم من خلال الإيحاء بأن تل أبيب مستعدة لاتخاذ تدابير متطرفة.

وقد حشدتْ إسرائيل قواتٍ عسكريةً كبيرةً على طول حدودها الشمالية، بما في ذلك خمس فرق: 210 و91 و98 و36 و146.

ويمثّل هذا الانتشار أحد أكبر التعزيزات العسكرية في التاريخ الحديث، ويذكّر بالقوة التي حشدتْها إسرائيل أثناء غزو لبنان عام 1982.

وخلال تلك الحملة، تمكّنت القوات الإسرائيلية من احتلال أجزاء كبيرة من لبنان، بما في ذلك بيروت. ولكن الوضع اليوم مختلف في شكل ملحوظ: فحزب الله قوة أكثر تنظيماً وقوةً من منظمة التحرير الفلسطينية التي واجهتْها إسرائيل في ثمانينيات القرن العشرين.

وتشير التقارير إلى أن الفرقة 98، التي تتألف من قوات المظليين النخبة، تَقَدَّمْتْ بالفعل كيلومترات عدة في جنوب لبنان.

وتشي هذه التحركات بنية إسرائيل التوغل أكثر في الأراضي اللبنانية، ما قد يؤدي إلى غزو كامل النطاق. ورغم أن هذه القوات لم تنشئ بعد مواقعَ دائمةً أو تقضي الليل في جنوب لبنان، فإن الحدود التي يبلغ طولها 120 كيلومتراً بين البلدين أصبحت نقطةً محورية لهذه المواجهة.

ردّ «حزب الله» والتزام لبنان بالـ 1701

أكدت الحكومة اللبنانية التزامها بالقرار 1701، مُعلنةً أنها تواصل الالتزام باتفاقية وقف النار رغم الاستفزازات الإسرائيلية.

ومن ناحية أخرى، أوضح الحزب أنه لن يقف مكتوفاً إذا تجاوزت إسرائيل خطوطاً حمر معينة.

وتظلّ القوات الخاصة التابعة للحزب، التي تعمل جنوب نهر الليطاني وشماله، مستعدّةً لغزوٍ إسرائيلي ومجهَّزةً بأسلحةٍ متطورة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات من دون طيار، والتي يمكن أن تهدّد المواقع الإسرائيلية أينما حلّتْ واحتلّت.

ورفْضُ نتنياهو الاعترافَ بالتزام لبنان بوقف النار، إشارة إلى أن حكومتَه تنظر إلى هذه اللحظة كفرصة لتدمير حزب الله وإضعافه بشكل حاسم، كما قال وزير الدفاع يوآف غالانت.

ويشير حشد القوات على طول الحدود إلى أن نتنياهو يستعدّ لهجوم شامل يهدف إلى شلّ البنية التحتية العسكرية لحزب الله جنوب الليطاني وشماله.

ومع ذلك، فإن الحزبَ مستعدٌّ في شكل أفضل بكثير من أي خصمٍ واجهتْه إسرائيل في تاريخ لبنان، ومن المرجَّح أن يؤدي أي غزوٍ إلى مقاومةٍ شرسةٍ وطويلة الأمد.

مستقبل متوتّر وغير مؤكَّد

يتدهورُ الوضع على طول الحدود اللبنانية - الإسرائيلية بسرعة، ويشير تحدي نتنياهو للقرار 1701 إلى أن تل أبيب مستعدة للمخاطرة بصراع واسع النطاق لتحقيق أهدافها.

ويؤشر الغزو العسكري، إلى جانب خطابه العدواني، إلى أن المواجهة الأوسع نطاقاً باتت وشيكة.

ويسلّط رفض مجلس الأمن سحْب «اليونيفيل» الضوءَ على التزام المجتمع الدولي بالسلام، ولكن تصرفات إسرائيل تشير إلى أن نتنياهو لم يعد يشعر بأنه ملزَم بشروط وقف النار لعام 2006.

إن مرونةَ الحزب، إلى جانب طموحات إسرائيل العسكرية، تشي بمستقبل خطير لا يمكن التنبؤ به.

وإذا تَصاعَدَ هذا الصراع، فإن العواقب قد تتردّد صداها إلى ما هو أبعد من حدود لبنان وإسرائيل، مع عواقب محلية وعالمية.