الجمادات والعجماوات وما على وجه الأرض لا يُتصور منه الجدل فالجدل خاص بالإنسان... أما الملائكة فجدالهم محمود مثل «أتجعلُ فيها مَن يُفسد فيها» وأما الشياطين فهم أكثر جدلاً من الإنسان... وإذا رجعنا إلى نسبة الأكثرية... لوجدنا الإنسان كثيراً من جهة الجدل، أي كثير الجدل بالباطل، أما الجدال بالحق فهو محمود وهو ما فعله الأنبياء والرسل، عليهم السلام والعلماء مع أقوامهم وما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا جَدَلاً.

وهذا الجدال هو شدة الخصومة في الباطل والتعصب، أو الحزبيات الفاسدة والابتعاد عن الموضوعية والتجرّد واستهداف المصالح الخاصة، وليس المقصود من الجدال هنا كشف الفساد ولا محاسبة المزوّرين بكشف الحقائق وتبينها. وإنما الجدال المذموم هو في تحريف نصوص القانون لتوافق أهواءهم وهذا سبب من أسباب الضلال، فالجدل ليس وعياً وإنما هو وسيلة إلى الشكّ الموصل إلى الأغراض الفاسدة، ولا تجد إنساناً مجادلاً متهوراً إلا وتجده فاسداً وما يُفسده أكثر مما يُصلحه في جداله. وهذا وأمثاله لا تجده إلا متلوناً متقلباً في مواقفه... وجاء النهي «ولا تجادل عن الذين يختانونَ أنفسَهم».

وفي مجال العلاقات الإنسانية إذا كان لك خليل من الإخلاء تحبه وتواليه ثم أنكرت من أخلاقه على ما لم تعهده منه مما لا يحل في نظرك ولم يتفق مع ما علمت من حاله وما اطّرد عندك من أخلاقه وسلوكه، أو كان لك عدوُّ تذم طباعه وتنكر منه تعامله ثم لاحت لك من جانب أخلاقه بارقة خير... فتحدثت بما قام في نفسك من مؤاخذة صديقك على الهفوة التي أنكرتها وشكرك عدوك على الخلّة التي حمدتها عدّك الناس متلوناً أو مخادعاً أو ذا وجهين.

وإذا كان الصديق يبتسم لك في حال رضاك وسخطك وصوابك وسقطك فهو ليس ممن يُحتفظ بمودته أو يوثق بصداقته لأنه لا يصلح أن يكون مرآتك التي تكشف لك حالك وتصدقك في السراء والضراء...

وهو إما منافق مخادع قد علم أن هواك في الصمت عن عيوبك والستر عليها فجاراك في ما تريده ليبلغ منك ما يريده؟

أو جاهل متهور يميل حيث مال به الهوى فلا يسمعك إلا الكلام الذي تريد أن تسمعه لا ما يجب أن تسمعه!

واليوم، ما أكثر جدالنا وما أقل إنجازنا... وبعد فترة توقف نيابي وحّل (مجلس الأمة) رجعت المياه إلى مجاريها وعرف كل إنسان قدره... وساد الهدوء الجو العام وقلّ الجدل وانحسمت مادة الاختلاف وحتى المتابعين للمشاهير تركوا المتابعة وتفرغوا لشؤونهم الخاصة.

وكأن الكويت عادت من جديد إلى داخل السور!

ونقول هذه نعمة الله علينا؟

ولا مكان للمدافعين عن المزوّرين في العهد الجديد.