... على حافةِ حربٍ شاملة قد يشعلها ردُّ إسرائيل الذي يبدو قابَ قوسين على الهجوم الصاروخي الإيراني ضدّها، وعلى ضفةِ «اليوم التالي» لـ «حرب لبنان الثالثة» التي باتت بأبعادها الإستراتيجية تدور بين «مشروع الشرق الأوسط الجديد» كما عبّر عنه بنيامين نتنياهو و«المشروع الإيراني» الذي يقوم على توسيع النفوذ بقضْم «الدولة» داخل الدول.

هكذا بدا لبنان أمس وهو يَرصدُ التشظّي المُخيف للحربِ التي يتعرّض لها والتي ارتقتْ في الأسابيع الأخيرة خصوصاً لتصبح واقعياً بين إسرائيل وإيران، تارةً «وجهاً لوجه» وغالباً من خلال «حزب الله»، بعدما فرضتْ الضرباتُ التي تَلقّاها منذ 17 سبتمبر وكان أقساها اغتيالُ أمينه العام السيد حسن نصر الله (في 27 سبتمبر) أن تتخلّى طهران عن خوض المَعارك «عبر الآخرين وبهم»، لتَضع قدميْها في «الرمال المتحركة» في ضوء ما أفرزتْه وحدة الساحات من... وحدة مصير.

وعلى وقع تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت أن الردّ على إيران وشيك «وسيكون دقيقاً ومميتاً»، متوقّعاً «المزيد من التصعيد في الشمال ما سيؤدّي أيضاً لتصعيدٍ مع إيران» قبل أن يؤكد «أنا ورئيس الوزراء ورئيس الأركان نرى أن العينَ بالعين في مسألة الردّ على إيران، ولسنا معنيين بفتْح جبهة إضافية وحرب أخرى»، ارتسم التشابُك بأوضح صُوره بين مساريْ الجبهة اللبنانية المفتوحة منذ 8 أكتوبر 2023 والجبهة الإيرانية المستجدّة والتي يمكن أن تصبح داهمة و«دائمة»، سواء اتخذت شكلَ موجاتٍ من الضربة والضربة المضادة أو انفلشتْ إلى ما أهو أدهى وتسبَّبتْ بفتْح «صندوقة باندورا» من سيناريوهات كارثية تصيب المنطقة برمّتها.

وفي الوقت الذي بدا أن «ساعةَ الصفر» لردّ تل أبيب على إيران «موصولةٌ» باكتمال نَصْب منظومة ثاد الأميركية المضادة للصواريخ في إسرائيل، وسط اقتناعٍ بأنّ إدارةَ الولايات المتحدة لمرحلة ما بعد الردّ «بيدها» يُبْقي قدرتَها على «التحكم والسيطرة» على حدود اندفاعة نتنياهو ضد طهران، وهو ما سيتكشّف حين «يَضغط على الزناد»، تم التعاطي مع معادلة غالانت عن «التصعيد المتوازي» في جنوب لبنان (من حزب الله) وضدّ طهران (من بلاده) على أنها «مضادة» لِما ظهّره الميدان على الجبهة اللبنانية من رفْعٍ لمنسوب العمليات ونوعيّتها استباقاً للضربة الإسرائيلية على إيران وفي محاولةٍ لرسم خطوط حمر بـ... الجَمر.

ولم تعد أوساط واسعة الاطلاع في بيروت تُخْفي أن التصعيد الذي تشهده جبهة الجنوب أبعد من كونه ذا صلة فقط بشروط «اليوم التالي» ومثلث القرارات الدولية 1701 و1559 و1680 ومحاولاتِ جَعْل انتخابِ رئيسٍ للجمهورية يرتدي«قبعةَ» تنفيذ هذه القرارات مدخلاً لوقف النار في مقابل إصرارِ رئيس البرلمان نبيه بري، مفوَّضاً من «حزب الله»، على إعلاء «استحالة» انتخاب رئيس قبل وقف النار.

وفي رأي هذه الأوساط أن إيران، التي تَلوح بصماتُها على «لوحة أزرار» الضربات النوعية التي بدأ «حزب الله» يوجّهها لإسرائيل وأبرزها الهجوم على بنيامينا وقاعدة لواء غولاني جنوب حيفا، تقوم عملياً بتفعيل خطوط دفاعها الأقوى على الجبهة الأمامية مع إسرائيل عبر «حزب الله» في إطار التحذير من أي ضربة لها «تحت الحزام»، بالتَوازي مع ممارستها سياسة «الترهيب والترغيب»، وهو ما عبّرت عنه:

- تسريباتٌ باتت تلعب على وتر عدم الاستقرار في لبنان و«الحرب الأهلية» أو العرْقنة أو «السوْرنة» وغيرها بحال كانت المعادلة كسْر «حزب الله»، أي على طريقة «لبنان ليس لنا لن يكون لغيرنا».

- كلام الناطقة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني عن أن بلادها ترحّب بأي مقترحات للسلام ووقف النار، ومستعدّة للعب دور فيها لتحسين الأوضاع في غزة ولبنان، مشدّدة على «أن إيران لم تبدأ يوماً الحرب ضد أي دولة ولكن لديها القدرة للدفاع عن نفسها بعزيمة عالية، ولن نتردد ولن نتسرّع في الرد بل سنردّ على أي اعتداء في الوقت والمكان المناسبين».

وتمّ التعاطي مع هذا الكلام في الوقت الذي تستعدّ طهران لتلقي الضربة الإسرائيلية، على أنها «تلعب أوراق» القوة، التي تم تفعيلها بزخم على جبهة لبنان، وتستدرج أدواراً للتهدئة والترخية (في لبنان وغزة) تفادياً لشدّ الخناق حولها بردّ إسرائيلي يضطرها لخوض ما قد يكون... الصِدام الأخير.

استعادة زمام المبادرة

وجاء كلامُ نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي أطلّ بعد ظهر أمس ليؤشر ضمناً إلى أن الحزب استعاد زمام المبادرة والردع الكفيل بجعْله يرسم معادلات لجبهة الجنوب ومآلاتها، ولكنها بالتأكيد بخلفيةِ «الجبهة الإيرانية» في الوقت نفسه.

فقاسم، الذي عكستْ إطلالتُه الثالثة (المسجّلة) منذ اغتيال نصرالله وجهاً من وجوه «استعادة العافية» لحزبه وطابع «استقرارٍ» ولو نسبي، إذ ظَهَرَ وعلى يساره صورة الأمين العام الراحل وعلى يمنيه العلم اللبناني وعلم حزب الله، أكد «أننا انتقلنا منذ أسبوع إلى معادلة إيلام العدو، وصارت صواريخنا تصل إلى حيفا وما بعد بعد حيفا، والى تل أبيب، والأحد اعترف الإسرائيليون بسقوط 100 جندي بين قتيل وجريح بينهم 70 في بنيامينا، والاثنين استطعنا بالصواريخ على تل أبيب إدخال مليوني إسرائيلي إلى الملاجئ (...) وهذا كله ضمن معادلة إيلام العدو، وهذا سيستمر».

وأكد «بما أن العدو استهدف كل لبنان، فلنا الحق ومن موقع دفاعي بأن نستهدف أي نقطة في كيان العدو، وسنختار النقطة التي نراها مناسبة»، مضيفاً: «سنركّز على استهداف جيشه وثكنه. والحلّ بوقف النار. وهذا لا نقوله من باب ضعف. وإذا كان الإسرائيلي لا يريد ذلك فنحن مستمرون. وبعد وقف إطلاق النار وبحسب الاتفاق غير المباشر يعود المستوطنون إلى الشمال وتُرسم الخطوات الأخرى، أما مع الحرب فمئات الآلاف بل أكثر من مليونين سيكونون في دائرة الخطر في أي يوم».

وإذ استعاد قاسم في كلامه شعار «الشيطان الأكبر» في توصيف الولايات المتحدة ودعمها نتنياهو «والشرق الأوسط الجديد»، متوعداً رئيس الوزراء الإسرائيلي «سنُمْسِك الوحش الهائج برسنه ونعيده إلى الحظيرة»، بدا كلامه عن وقف النار مقابل عودة المستوطنين ثم البحث في الخطوات الأخرى في سياق مقايضة ضمنية بين إتاحة رجوع هؤلاء على قاعدة استعادة ما كان على جبهة الجنوب قبل 8 أكتوبر 2023 وبين تحييد «السلة» التي يُعمل عليها دولياً من ترتيبات أمنية وسياسية لليوم التالي لبنانياً وقاعدتُها القرارات الدولية وبينها الـ 1559 الخاص بنزع سلاح «حزب الله»، أو أقلّه «تجزئة» هذه السلة و«لبْننتها» ما يعني تالياً تمييع هذا المسار.

وفي حين أن هذا الاتجاه يبقى رهناً بوقائع الميدان التي تشي بأنها ستتسارع في الأيام الفاصلة عن انتخابات 5 نوفمبر الأميركية وتنفتح على فصول أشد شراسة تسعى الدبلوماسية لاحتوائها، وسط رصدٍ لنتائج زيارة ولي العهد رئيس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان أمس للقاهرة، حيث حَضَرَ في المباحثات الوضع في المنطقة والحرب في لبنان وغزة والتي ستكون اليوم على طاولة القمة الخليجية - الأوروبية في بروكسيل، مضت جبهةُ الجنوب في اشتعالها الذي عَكَسَ ايضاً محاولة متبادلة، من إسرائيل لمراكمة النقاط ومن «حزب الله» لمنْع تسجيل المزيد منها، وذلك تأسيساً لأرضية تسويةٍ لابدّ منها ولو بعد حين.

تهجير «اليونيفيل»

وفيما كان الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية يعلن «اننا نشن عمليات محددة في لبنان تقوم على معلومات دقيقة من أجل إعادة مواطنينا بأمان إلى منازلهم في الشمال»، مؤكداً «ان الحرب في الشمال ستنتهي إذا تراجع حزب الله إلى ما بعد الليطاني وعاد سكاننا إلى منازلهم، والجيش الإسرائيلي سيحافظ على وجوده في كل الأماكن التي تشكل تهديدا لأمننا»، وهو ما يفسّر الإصرار على تهجيرِ قوة «اليونيفيل» من على الحافة الأمامية لفرض «منطقة ميتة» أو عازلة دائمة بالقوّة، زجّت تل أبيب وفي تطور بارز بفرقة خامسة إلى الميدان وفق ما عبّرت عنه تقارير عن أن الفرقة 210 بدأت بتنفيذ عمليات برية محدودة في مزارع شبعا، أي في القطاع الشرقي الذي كان شهد أيضاً مواجهات ضارية مع «حزب الله» عند محور رب ثلاثين - العديسة - مركبا بدت محاولةً لبلوغ بلدة الطيبة بتلالها الإستراتيجية.

وفي موازاة توحش إسرائيلي في استهداف بلدات في أقضية النبطية وصيدا وفي غاراته ضد قرى في البقاع وإحداها أدت إلى تضرر مستشفى «المرتضى»، مضى «حزب الله» في ضرباته ضد تجمعات عسكرية على الحدود كما في العمق الإسرائيلي حيث عاود إطلاق صواريخ على تل أبيب، وأعلن إسقاط طائرة مسيرة إسرائيلية نوع هرمز 450.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أن قواته «اشتبكت وجهاً لوجه مع العشرات من مقاتلي حزب الله وقضت عليهم»، لافتاً إلى أن السلاح الجوي دمّر البنى التحتية للحزب، مضيفاً أن قواته عثرت على العديد من الأسلحة في الجنوب اللبناني وأنها هاجمت الاثنين 230 هدفاً في عمق وجنوب لبنان، بينها مواقع تشمل مضادات للدبابات وقاذفات صواريخ أرض - أرض.

ميقاتي

في غضون ذلك، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «أن الاتصالات الدولية قائمة للوصول إلى وقف النار وتعزيز دور الجيش وتطبيق القرار 1701»، مشدداً على «أننا نسعى إلى تأمين موافقة دولية مسبقة قبل عرض الموضوع على مجلس الأمن، خصوصاً وأن غالبية الدول متعاطفة مع لبنان».

وأشار في حديث إلى قناة «الجزيرة» الى «انه خلال اتصالاتنا مع الجهات الأميركية الأسبوع الفائت أخدنا نوعاً من الضمانة لتخفيف التصعيد في الضاحية الجنوبية وبيروت والأميركيون جادون في الضغط على إسرائيل للتوصل إلى وقف النار»، ولافتاً الى «ان الاجراءات المشددة المتخذة في المطار هي لتفادي أي ذريعة يستغلها العدو الإسرائيلي».

ورداً على سؤال قال «ان الجيش مستعد لتعزيز وجوده في الجنوب بحدود عشرة آلاف جندي إضافي ولكنه يحتاج إلى الكثير من العتاد، وهذه مسألة أساسية لتنفيذ القرار 1701. اما ربط هذا القرار بقرارات أخرى مثل القرار 1559، فلا لزوم له أو للحديث عنها، لأنها ستتسبب بخلافات إضافية. علينا الاتفاق على استكمال تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، أي بسط سيادة الدولة على أراضيها وعدم وجود سلاح غير سلاح الشرعية اللبنانية، لأن هذا القرار يغنينا عن الجدال المتعلق بالقرار 1559. واجبنا أن نفرض سيادة الدولة من خلال بسط سيادتها على كل اراضيها.نحن نشدد على تطبيق القرار1701 كاملا وهو يفي بالغرض».

مجلس الأمن

وكان أعضاء مجلس الأمن رفضوا، خلال جلستين منفصلتين، استهداف إسرائيل للقوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان «اليونيفيل» والدعوات الإسرائيلية إلى تراجُع عناصرها عن الخط الأزرق، في موقف لاقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي كرّر مطالبة السلطات اللبنانية بنزع أسلحة كل الميليشيات، بما في ذلك «حزب الله» بموجب القرار 1559.

وفي تقريره نصف السنوي حول تطبيق الـ 1559 اعتبر غوتيريش أن التطورات الميدانية الأخيرة «تبرز الحاجة الملحة إلى تنفيذ جميع أحكام هذا القرار»، داعياً الدولة اللبنانية إلى أن «تواصل تكثيف جهودها لتحقيق احتكارها حيازة السلاح، واستخدام القوة على كل أراضيها»، ومطالباً الحكومة والجيش بـ «اتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع (حزب الله) والجماعات الأخرى من الحصول على الأسلحة ومن بناء قدرات شبه عسكرية خارج نطاق سلطة الدولة، في انتهاك للقرارين 1559 و1701».

400 ألف طفل نزحوا... وربع لبنان أُخلي

أعلنت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أمس، أن 25 في المئة من لبنان يخضع لأوامر إخلاء عسكرية إسرائيلية مباشرة.كما كشفت منظمة «اليونيسيف» أن أكثر من 400 ألف طفل لبناني نزحوا في الأسابيع الثلاثة الماضية، محذرة من «جيل ضائع».

إسرائيل تسعى لـ «منطقة محروقة»

يتقدم الجيش الإسرائيلي ببطء في الجنوب اللبناني على وقع تسريبات صحافية بأنه يتطلع إلى إقامة منطقة عازلة بعمق 3 كيلومترات.

من جانبه، يقاتل «حزب الله» بمنطق حرب العصابات، ويُنفذ هجمات بالمسيَّرات أو الصواريخ في العمق الإسرائيلي.

وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن الجيش يُخطط لمنع عودة النازحين اللبنانيين إلى القرى الحدودية في أي اتفاق مستقبلي.

وكشفت وسائل إعلام لبنانية أن واشنطن نقلت إلى المسؤولين اللبنانيين أن إسرائيل تريد الدخول إلى لبنان بعمق 3 كيلومترات وتحويل هذه المساحة بكاملها إلى منطقة محروقة.

ويتزامن ذلك مع الإبقاء على مطلبها السابق بإقامة منطقة عازلة بعمق 10 كيلومترات على أن تكون المنطقة بين الـ3 والـ10 كيلومترات من مسؤولية «اليونيفيل» والجيش اللبناني.

ميلوني ستزور لبنان

قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، أمس، إنها تعتزم زيارة لبنان وطالبت بضمانات لسلامة القوات الإيطالية في لبنان.