كتبتُ من قبل عن الدراما الخليجية وما تمر به من عثرات كارثية نجني ثمارها اليوم ببعض أعمال سطحية لا ترقى للمشاهدة ولا الاهتمام. ونحن ننتظر موسماً رمضانياً دسماً، لاحظنا تدهور درامتنا في السنوات الأخيرة بشكل لا يمكن تجاهله، إذ أصبحت الصناعة أقرب إلى التجارة منها إلى الفن، العمل الفني اليوم في الخليج يمر بأزمة حقيقية، تجلّت في ضياع القيمة الفنية وغلبة الطابع التجاري على كل جوانب الإنتاج، فهل فقدت الدراما الخليجية هويتها، أم أن المشكلة أعمق من ذلك؟

منذ السبعينات حتى التسعينات من القرن الماضي، قدمت الدراما أعمالاً لا تزال خالدة في ذاكرة الجمهور، جمعت بين القيم الاجتماعية العميقة والكوميديا الهادفة، وكان صنّاع الفن في تلك الفترة مخلصين لمبادئهم الفنية، حيث اهتم المخرج والكاتب بتقديم محتوى يعكس واقع المجتمع، ويناقش قضاياه الحقيقية. أما اليوم، فأصبح غالب التركيز على الربح المادي هو الأساس، بات بعض المنتجين ينظرون إلى العمل الفني كسلعة تجارية تُباع للمعلنين، وهذا التوجه أثّر بشكل مباشر على جودة الأعمال الدرامية، وجعلها تفتقر إلى العمق، وتعاني من التكرار والنمطية، حتى أصبحت تتسم بالسطحية والسرد الممل.

لتدهور الدراما أسباب أخرى، منها دخول العديد من الأشخاص الذين يملكون المال ولا يمتلكون أي خبرة فنية حقيقية في الساحة، كما لا يمكننا إنكار أن بعض المنتجين العرب يتحمّلون جزءاً كبيراً من المسؤولية عن هذه النتائج، فقد تحوّل دورهم من راعٍ للفن إلى تاجر يبحث عن الربح السريع، وساهم هذا السلوك في إضعاف الصناعة الفنية، خصوصاً أن أعمالهم غالبيتها مثيرة للجدل ومخالفة لعاداتنا وتقاليدنا، وهذا الأمر ساهم في إفقاد الجمهور الثقة بالأعمال المحلية.

عند مقارنة الجيل الحالي بالجيل الذهبي للدراما الخليجية، نجد أن الفجوة تتسع يوماً بعد يوم، كان الجيل السابق يعمل بجهد وإخلاص ليقدم أعمالاً تبقى خالدة في ذاكرة الجمهور، وغالبيتهم تتسابق للظهور في أكبر عدد من الأعمال، بغض النظر عن جودتها أو قيمتها.

لتصحيح المسار، يجب إعادة النظر في طبيعة الصناعة الدرامية نفسها، واستبعاد كل من يريد إفسادها متعمداً أو من دون قصد، بدءاً من إعداد النصوص وحتى اختيار الممثلين وتوجيه المخرجين وتوجه القنوات، ويجب أن تكون هناك آلية تضمن تقديم أعمال ذات جودة عالية، وأن يُدرك المنتج أن قيمة العمل الفني لا تُقاس بالمردود المادي فقط، بل أيضاً بالتأثير الثقافي والاجتماعي الذي يمكن أن يتركه في نفوس الجمهور.

نهاية المطاف: لكي نستعيد أمجاد الدراما، يجب أن يعود صانعو الفن إلى الجذور.