السماحة، سهولة المعاملة في ما اعتاد الناس فيه المشادة، فهي خُلق وسط بين الشّدة والتساهل ولفظ السماحة أرشق لفظ يدل على هذا حِسّاً ومعنى (ورحم الله رجلاً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا اقتضى) فالسماحة أكبر صفات الإسلام الكائنة وسطاً بين طرفي إفراط وتفريط، والرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، يقول (بُعثت بالحنيفية السمحة) فرجع معنى السماحة إلى التيسير المتوازن، وباستقراء فروع الشريعة نستدلّ على هذا الأصل في جميع أحكام الإسلام.

وللسماحة أثر في سرعة انتشار الشريعة وطول دوامها، حيث أثبت لنا التاريخ بصفحاته البيضاء أن سرعة امتثال الأمم للشرائع واستمرارهم عليها كان بمقدار اقتراب الأديان إلى السماحة... وإذا بلغ في بعض المذاهب من الشدة حداً تجاوز به هذا الأصل لحق اتباعه العنت ولم يلبثوا أن ينصرفوا عنه أو يفرّطوا في طقوسه!

وهذا من شأنه أن يدهده بهم الى حضيض الشقاء وسوء الحال وذهاب التدين! ولقد نحّى بعض المسلمين إلى تناسي التسامح الإسلامي بسبب ما يلاقيه من بعض أهل الملل الأخرى من صلابة في التعامل وسوء طويه وتبييت النية بالشر والتربص بالمسلمين مع استغلال ما للمسلمين من تسامح لتحصيل مصالحهم وإدخال الرزايا على بلاد المسلمين، فأوجس المسلمون منهم خِيفة وكما يقال في المثل (الدَّرُّ يُذهبُهُ جفاءُ الحَالبِ) فلذلك كان أهل الأديان منذ عُرف التاريخ يجعلون الدين جامعة ومانعة يجمع أصحاب الملة الواحدة ويمنع أهل الملل الأخرى...

ثم تشب بينهم بحكم المعاشرة (والطبع سرّاق -كما يقال-) والمخالطة فتنشأ أصداف الكراهية وقشورها ثم الغلظة ثم البطش بالمخالفين... كما فعل الاشوريون والرومان باليهود، وكما فعل أبرهة الحبشي بالعرب حين جاء لهدم الكعبة بمكة عام الفيل... وكما فعل أصحاب الأُخدود وهم من أهل اليمن... وكما فعلت قريش حيث لم يتحمّلوا مشاهدة صلاة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، عند الكعبة فتآمروا وبعثوا سفيههم فوضعَ على ظهره سَلى الجزور...

أما الإسلام فلم يجعل رابطة الإيمان سبباً للاعتداء على غير الداخلين فيه ولا لغمص حقوقه في الحياة فجعل التسامح من أصول نظامه وأدلّ حجة على رحمة الرسالة الإسلامية، قوله تعالى «وما أرسلناكَ إلّا رحمة للعالمين»، فأين السماحة أيها السادة الكرام؟

فقد جعلوها نقمة للعالمين!