تمثل الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة ضد «حزب الله»، تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر منذ فترة طويلة. وكان التركيز الأساسي لهذه الحملة على التدمير المنهجي لجزء كبير من ترسانته الإستراتيجية للصواريخ، خصوصاً الدقيقة وبعيدة المدى المخزنة.
ووفقاً للجيش الإسرائيلي، فإن الغارات الجوية دمرت «عشرات الآلاف من الصواريخ البالستية الدقيقة وأخرى متنوعة كان جمعها حزب الله على مر السنين».
وشكلت هذه الأسلحة بالنسبة إلى الحزب، بما في ذلك صواريخ أرض - أرض والصواريخ المجنحة، العمود الفقري لإستراتيجية الردع التي يتبناها ضد إسرائيل لأنها تشكل تهديداً مباشراً للمدن والبنية التحتية العسكرية والبحرية ومنصات الغاز العائمة.
وفي السياق، رفض رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي، أي وقف لإطلاق النار مع لبنان «حتى هزيمة حزب الله تماماً».
ويشير هذا الموقف إلى التقييم الإستراتيجي بأن «قوة الردع الصاروخية للحزب قد ضعفت وأن وقف إطلاق النار في هذا الوقت قد يسمح له بإعادة تجميع صفوفه وتجديد قدراته».
من هنا، فإن تدمير ترسانة الحزب الصاروخية - إذا كانت المعلومات دقيقة - يمثل فرصة فريدة لإسرائيل لتوجيه ضربة حاسمة له في حال ضعفه. ومع ذلك، قد تكون هذه الفرصة عابرة، حيث مازالت قواته الخاصة سليمة ما يمكنه من الاشتباك مع الغزاة الإسرائيليين في جنوب لبنان.
وفي غياب نصر عسكري كامل لإسرائيل، قد يستعيد «حزب الله» في نهاية المطاف الكثير من قدرته الرادعة من خلال تجديد المزيد من الصواريخ في الداخل وفي سورية وإعادة إنتاجها، ما يجعل الهجوم الحالي متاحاً لنتنياهو لفرض شروط وقف إطلاق النار عندما يرى الفرصة مناسبة له.
رسائل صاروخية
في ليلة 7 أكتوبر، وبعد مرور عام على بدء المعركة، أطلق «حزب الله» خمسة صواريخ متوسطة المدى من طراز «فادي - 1» على مدينة حيفا، محملة برسائل إستراتيجية عدة.
أولاً، كانت مهمة وحدة القوات الخاصة «الرضوان»، في البداية، استهداف القوات الإسرائيلية على طول الحدود من دون تصعيد الأمر إلى شن هجمات على المدن الكبرى مثل حيفا أو تل أبيب.
ومع ذلك، فإن حقيقة إطلاق الصواريخ على حيفا تشير إلى تغيير في الإستراتيجية وإلى أن الوحدات الخاصة قد تلقت أوامر جديدة بتوسيع الهجمات إلى ميناء المدينة، الذي يضم أصولاً رئيسية مثل البحرية الإسرائيلية والمصانع الكيميائية ومرافق تخزين النفط.
وبعد أقل من 24 ساعة، قصف «حزب الله» تل أبيب بخمسة صواريخ بالستية.
ويعني هذا التصعيد أن أنظمة الاتصالات التابعة للحزب، بغض النظر عن تلك التي تعطلت بسبب التخريب الإسرائيلي، تعمل في شكل طبيعي.
وقد سمح للقيادة السياسية والعسكرية باستعادة السيطرة على ساحة المعركة، وتالياً، يشير الهجوم على حيفا وتل أبيب إلى أن القيادة السياسية استعادت السيطرة وتشرف على مقاومة الغزو.
وبعد إبعاد إسرائيل وعلى نطاق واسع، لبيئة «حزب الله» من جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية، ووادي البقاع وإرغام مليون شخص على النزوج وتدمير منازلهم بسبب الضربات الجوية، لم يعد يشعر بالقيود المفروضة عليه بسبب الحاجة إلى حماية هذه المناطق، الأمر الذي يجعل مقاتليه أكثر تصميماً وبأساً في القتال.
وأخيراً، يشير إطلاق الصواريخ إلى أن «حزب الله» بدأ يتلقى إمدادات من الصواريخ والذخيرة لمعاودة بناء ترسانته للحفاظ على اشتباك طويل الأمد مع إسرائيل.
ورغم مزاعم إسرائيل بأنها نجحت في تقليص ترسانة الصواريخ والقذائف في شكل كبير، تتولى الوحدات المتخصصة الثلاث العاملة على جانبي نهر الليطاني إطلاق ما بين 100 و225 صاروخاً يومياً، ومن مواقع مختلفة في جنوب لبنان.
وتتمتع هذه الوحدات بمعرفة عميقة بالتضاريس الوعرة والجبلية، الأمر الذي يجعل من الصعب للغاية إزالتها.
وقد اشتبكت القوات الخاصة الإسرائيلية مع مقاتلي «حزب الله» على جبهات عدة على الحافة الحدودية، من الشمال الشرقي إلى الناقورة على الساحل، حيث تقوم قوات الاحتلال بتدمير القرى الجنوبية في شكل منهجي وتطلب من المدنيين إخلاء المنطقة بأكملها حتى صيدا.
وقد وقعت أشد الاشتباكات ضراوة في بلدتي كفركلا والعديسة في الشمال الشرقي، وفي المناطق الوسطى من مارون الراس والمالكية ويارون.
أما كفركلا على وجه الخصوص، فإنها على بعد خمسة كيلومترات فقط من نهر الليطاني. وتحاول القوات الإسرائيلية التقدم نحو النهر، الذي يعتبر هدفاً إستراتيجياً رئيسياً لها.
وهي تأمل تطويق وحدتي «نصر» و«عزيز» التابعتين للحزب، اللتين تحصنتا في شكل كبير جنوب الليطاني.
فالسيطرة على المرتفعات بالقرب من كفركلا من شأنها أن تمنح إسرائيل ميزة تكتيكية حاسمة، ما يسمح لقواتها بمحاصرة وتدمير قوات «حزب الله».
ولن يكون ممكناً للقوة العسكرية الإسرائيلية التي زجت بثلاث فرق، تجاوز التحديات الكبيرة التي مازالت قائمة. إذ تواجه خطر التعرض لصواريخ الحزب المضادة للدبابات الموجهة بالليزر، والتي تتمتع بفعالية عالية.
«حرب العصابات»
فضلاً عن ذلك، فإن احتفاظها بمواقع ثابتة لفترات طويلة من الزمن يمثل صعوبات بالنسبة إليها، حيث إن تكتيكات «حرب العصابات» التي ينتهجها «حزب الله» قد تجعل هذه المواقع عرضة للهجوم المتواصل، رغم ان الفرق الإسرائيلية قد تتمكن من اختراق دفاعات الحزب عاجلاً وليس آجلاً، ما يعني أن الاحتفاظ بهذه المكاسب سيشكل تحدياً مستمراً وخطيراً.
ولم يكن عادياً إعراب البحرية الإسرائيلية علناً عن استعدادها للمشاركة في غزو جنوب لبنان، الأمر الذي يسلط الضوء على ثقة إسرائيل في تقويمها الحالي للقدرات العسكرية لـ«حزب الله».
وقد يكون هذا مستنداً إلى اعتقادها بأن صواريخ الحزب أرض - أرض قد تم تحييدها إلى حد كبير، أو قد يؤشر ذلك إلى نيات تل أبيب اختبار ما إذا كان الحزب سينشر هذه الصواريخ رداً على الإعلان عن التدخل البحري.
من هنا، فإن نشر القوات البحرية ينطوي على استعدادات أيضاً لشن هجوم متعدد الطرف، حيث تعمل أذرع القوات البحرية والجوية والبرية في تنسيق مستمر، بهدف ضرب القوات الخاصة للحزب قبل تقدم فرق المشاة والميكانيكية.
علاوة على ذلك، فإن مشاركة البحرية يرجح إمكان قيام إسرائيل بعمليات إنزال برمائية أو قوات بالمظلات خلف خطوط دفاع «حزب الله» لتطويق مواقعه وتعطيل عملياته.
ومن شأن مثل هذه التكتيكات أن تضيف بعداً جديداً للحملة العسكرية، ما يزيد من الضغوط على وحدات الحزب المحصنة.
ومع هذه الاستعدادات، يبدو أن القوات الإسرائيلية على استعداد لبدء المرحلة التالية من عمليتها في وقت قريب.