في انتظارِ ردّ تل أبيب على الضربة الصاروخية الإيرانية غير المسبوقة التي استهدفت اسرائيل، مساء الثلاثاء، والذي سيترك عصْفُه ارتداداتٍ تسود مَخاوفُ من أن تكون مزلزلةً على صعيد هذه الجبهة الاقليمية وعموم المنطقة، بدا لبنان في قلب مطحنةِ دم ودمار ونار، من الجو والبرّ والبحر، في الوقت الذي تحاول السلطاتُ «اللحاقَ» بالأحداث الكارثية المتسارعة، وسط خشيةٍ من أن يكون «القطارُ فات» على وقف الجنون الاسرائيلي عبر الإعلاء المتأخّر للقرار 1701 بكل مندرجاته كناظِمٍ لحلّ مستدام جنوباً ولقبولٍ بوقفِ نارٍ «بلا تتمات» من نوع «على كل الجبهات» بما يعني فصلاً ضمنياً للجبهة اللبنانية عن حرب غزة.
وفي وقت كانت المنطقةُ والعالم يسيران على حبل مشدود مع قلْب «الساعة الرملية» لردٍّ اسرائيلي يُرجّح أن يكون أبعد من مجرّد «ردّ الاعتبار» ويُخشى أن يكون فاتحةَ دورة جولات متبادلة من الضربات بين تل أبيب وطهران أو باباً لاسرائيل
لـ «قَفْل حسابٍ» قديم - جديد مع إيران في ضوء اعتبارها من بنيامين نتنياهو «رأس محور الشرّ»، اندفعتْ تل أبيب على عموم الخريطة اللبنانية التي باتت في مرمى اعتداءاتها الجوية وبقصفٍ من بوارج حربية، في موازاة تَكَبُّدها في اليوم الثالث من غزوها البري لمناطق متاخمة لحدودها في جنوب لبنان المزيد من الخسائر البشرية والمعنوية القاسية.
وإذ كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» تنقل عن مسؤولٍ إسرائيلي «اننا لا نريد توسيع الغزو في لبنان ولكن من الممكن أن ننجرّ إلى هذا السيناريو» في أول تلميح لاحتمال خروج تل أبيب عن هدف «التوغل المحدود والمحدَّد»، بالتوازي مع محاولتها إرساء معادلة «التعويض» عن ضربات «حزب الله» لقواتها البرية باستشراسٍ في الغارات المتوحّشة التي طالت في الساعات الـ 24 الأخيرة قلب العاصمة اللبنانية، وتحديداً محلة الباشورة على مرمى العين من وسط بيروت وعلى تخوم السرايا الحكومية، وضاحيتها الجنوبية، ومرتفعات كسروان وقضاء عاليه، إلى جانب «الاجتياح الجوي» المستمر لكل الجنوب تقريباً والبقاع.
وفي حين اعتُبر إصرار الجيش الاسرائيلي على التوغل رغم جدار الصدّ المُحْكَم حتى الساعة من «حزب الله» وتكرار مشهدية الطوافات التي تجلي قتلى وجرحى من على الحدود، انعكاساً لرغبةٍ في فرْض وقائع على الأرض صارت أعمق من تطبيق القرار 1701 وأبعد من حدود الليطاني «الخالي (جنوبه) من سلاح حزب الله ومسلّحيه»، فإنّ الأهدافَ «المطوَّرة» لنتنياهو تبقى دونها دينامياتُ الميدان وانزلاق رئيس الوزراء لِما بدا «الملعبَ الأقوى» للحزب الذي كان «يبحثُ بالسراج والفتيل» عن دبابة أو قوة اسرائيلية عبر الحدود للانقضاض عليها، وفق آخِر تصريح لأمينه العام الراحل السيد حسن نصرالله، فإذ باغتيال الأخير قبل أسبوع يتحوّل عامل تزخيمٍ هائل لـ «وحدة الرضوان» المرابضة على الحافة الأمامية وسط انطباعٍ بأن تفوّق تل ابيب في «الذكاء الاصطناعي» قد لا ينسحب على «الذكاء العاطفي».
على أن أوساطاً سياسية ترى أن من المبكر الجزم بمآلات الغزو البري رغم الخسائر الاسرائيلية، لافتة إلى أن نتنياهو وبالترويع الجوي والهستيري للبنان وتعمُّده ضرب كل «الطبقات» التي مكّنت «حزب الله» عسكرياً ومالياً وحتى صحياً واقتصادياً، أعطى إشاراتٍ متقدّمة إلى أن هدفَه غير المعلَن بات السلاح بعيد المدى للحزب وكل وضعيته العسكرية خارج الدولة اللبنانية والتي تشكّل أداة النفوذ الاقليمي لإيران.
القرار 1559
وساد انطباعٌ بأن «محور الممانعة» استشعر بإمكان وضع تل ابيب ومعها واشنطن وحلفاؤها القرار 1559 على الطاولة، بما يعني المطالبة بنزع سلاح «حزب الله»، كأحد مرتكزات «اليوم التالي» لبنانياً، فأعْلى القرار 1701 الى مستوى المعركة الدبلوماسية التي تلقّف عنوانَها لبنان الرسمي بتواطؤ إيجابي مع الحزب أقرّ بفصل لبنان عن حرب غزة بعدما لاحت أيضاً في أفق الحرب مخاوف من جعله غزة ثانية، وهو ما عبّر عنه اللقاء الثلاثي، أول من أمس، الذي ضمّ رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط والذي خلص الى خريطة طريق من 3 عناوين: المطالبة بوقف فوري للنار وتطبيق الـ 1701 وتعهُّد بتعزيز انتشار الجيش جنوب الليطاني، والدعوة للاتفاق والتوافق على رئيس وفاقي لا يشكّل تحدياً لأحد - مع تخلٍ ضمني عن شرط الحوار المسبق - والبناء على الموقف الوطني في احتضان النازحين.
وفي موازاة ذلك، كان هناك سباق محموم يرتسم بين مؤشرات تدحرجٍ مرتقب لكرة النار في مختلف محافظات لبنان، وإن مع فارق ضربات مستهدفة في بيروت وكسروان وعاليه، في مقابل غاراتٍ «بلا رحمة» على الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، وبين أكبر موجة إجلاء لرعايا أجانب في حين نقلت شبكة «سي ان ان» عن مسؤولين أميركيين «اننا نشرنا عشرات الجنود في قبرص استعداداً لأي حالات طارئة»، قبل أن يعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية «اننا لن نتمكّن من تسليم شحنات كبيرة من الإمدادات الطبية للبنان، اليوم، بسبب قيود على الطيران» كاشفاً أن 28 موظّفاً في القطاع الصحي قُتِلوا في لبنان في الساعات الـ24 الماضية».
القنابل الفوسفورية
وكان ليل الأربعاء – الخميس شهد استشهاد تسعة أشخاص في غارة غير مسبوقة على منطقة الباشورة في قلب بيروت 8 منهم ينتمون الى الهيئة الصحية الاسلامية التابعة لـ«حزب الله» فيما لا يزال العمل مستمراً على إنهاء فحوص الـ DNA لتحديد هوية الاشلاء التي تم رفعها من مكان الغارة التي أشارت الوكالة الوطنية اللبنانية الرسمية إلى أن«إسرائيل استخدمت فيها القنابل الفوسفورية المُحرّمة دولياً».
وسبقت هذه الغارة وأعقبتها، 17 غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت (بعضها نُفذ ببوارج حربية) استُكملت أمس صباحاً وبعد الظهر بضرباتٍ مهولة أحدها استهدف مقر الوحدة الإعلامية للحزب في محلة معوّض.
كما استهدفت غارات، أمس، منزلاً في بلدة كيفون (عاليه)، ذكرت تقارير أنها استهدفت عمود إرسال تلفزيون«المنار» التابع لـ«حزب الله»، فيما وقعت أخرى في بلدة المعيصرة أعالي كسروان وتردّد أنها استهدفت الشيخ محمد عمرو، مسؤول الحزب في جبيل.
«مضبطة اتهام»!
وأعربت أوساط متابعة عن خشيةٍ كبرى من«مضبطة اتهام» وجّهها الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي للحزب بتهريب الأسلحة من سورية عبر معبر المصنع الحدودي، وتحذيره من أن الحزب و«منذ استهداف محاور التهريب الحدودية عند الحدود السورية - اللبنانية يوم الخميس» بدأ «باستخدام هذا المعبر المدني لأغراض عسكرية ونقل وسائل قتالية ونحذر لبنان من أننا لن نتردد في التحرك».
وفيما نفى وزير الإشغال والنقل علي حمية هذه «الأكاذيب»، مؤكداً أن كل من يمر عبر نقطة المصنع يخضع لآليات التفتيش والمراقبة عبر الأجهزة الرسمية والجمارك، اتصل ميقاتي بقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري، طالباً «التشدد في الاجراءات الامنية المتخذة على الحدود بعد المزاعم الاسرائيلية عن استخدام معبر المصنع لنقل وسائل قتالية إلى داخل لبنان».
وتبلغ رئيس الحكومة من عون «ان الجيش متشدد جداً في الاجراءات التي يتخذها على المعابر الحدودية ولا سيما عند معبر المصنع»، ما عكس خشية من محاولة اسرائيلية لعزل لبنان برياً.
وعلى وقع هذا الصخب اشتعلت الحدود اللبنانية - الاسرائيلية مع إصرار الجيش الاسرائيلي على محاولة التوغل الى مناطق التماس وتصدي الحزب له بالنار وبعبوات وكمائن أوقعت في صفوفه خسائر تكّتم عنها وسط إعلانه عن «حدث صعب في الشمال»وتقارير تحدثت عن مقتل ما لا يقل عن 4 جنود وجرح أكثر من 10.
وأعلن «حزب الله» أنّه فجّر عبوتين ناسفتين في قوات حاولت «التسلل» إلى بلدة مارون الراس وأنه أحبط محاولة تقدم عند منطقة بوابة فاطمة بقذائف المدفعية.
كما أكد تفجير عبوة ناسفة بقوة من لواء غولاني في منطقة ترتيرة (مارون الراس) كانت تحاول الالتفاف من الجهة الغربية للبلدة وسقوط افرادها بين قتيل وجريح، وأنه لدى محاولة قوة مشاة التسلل باتجاه جبانة بلدة يارون، فجر مجاهدونا عبوة «سجيل» بالقوة المتقدمة وأوقعوهم بين قتيل وجريح.
وفي موازاة قصف «حزب الله» العديد من نقاط التجمعات العسكرية عبر الحدود ومستوطنات في الشمال، أعلن الجيش الإسرائيلي انه قتل 100 عنصر من الحزب بينهم نحو 15 في مبنى بلدية بيت جبيل حيث كانوا يتمركزون و«اننا هاجمنا 200 هدف للحزب خلال الساعات الأخيرة».