في أخطر تطورٍ منذ العام 2006، ضربت إسرائيل هدفاً داخل شقة في الشطر الغربي من بيروت وتحديداً منطقة الكولا، لتقتل ظاهرياً قادة فلسطينيين من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».

إلا أن الهدف أبعد من ذلك بكثير، إذ أن الاغتيالات تتزامن مع محاولة دخول قوة مشاة إلى موقع صدح مقابل القطاع الأوسط في الجنوب اللبناني، وهي عمليةُ استطلاع بالقوة لاختبار جهوزية «حزب الله». وهذه إشارات تؤدي إلى استنتاج واحد... إسرائيل تستعد لاجتياح لبنان.

لم يَعُدْ لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المنتشي بانتصاراته التكتيكية أي اهتمام بقضية المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة ولا الحرب على حركة «حماس» المستمرة بوتيرة أقلّ حدة ولكن كافية لمواصلة الضغط على القطاع المحاصَر والمدمَّر. بل ذهب نتنياهو لإزالة الفكرة السائدة في الدول الغربية، وعلى رأسها أميركا، التي تعتبر أن إسرائيل عبء على واشنطن بعد 11 شهراً من القتال الـ «لا أخلاقي والعشوائي» ضد الفلسطينيين والدمار الذي أحرج الدول الداعمة لها، ليجعلها حاجة وظيفية لتغيير وجه الشرق الأوسط وضرب «أذرع طهران»، ومن بعدها محاصرة وضرب إيران إذا لزم الأمر وسنحت الفرصة المناسبة.

وأهمّ عناصر هذا الهدف، يتمثل في القضاء على «حزب الله» وإبراز قوة الجيش الإسرائيلي الذي تشوهت صورته على أيدي المقاومين الفلسطينيين في قطاع غزة.

لذلك تعتقد إسرائيل أن دفْع الحزب إلى ما بعد نهر الليطاني أو حتى أبعد من ذلك إذا توافرت الموفَّقية ممكنٌ بعد قصم ظهره وتجريده من قيادييه وأسلحته الصاروخية، ما يجعله لقمة سهلة داخلية ما دام فقد إمكانية الدفاع.

وهدف نتنياهو تحويل لبنان إلى «دولة صديقة» لإسرائيل باعتبار أن تل أبيب قوة ضاربة لا يمكن تخطيها وان الحاجة لعلاقات معها ضرورة لاستقرار المنطقة.

لذلك، فإنّ على إسرائيل قَطْعَ أيدي إيران في المنطقة بالقضاء على «حزب الله» أولاً، والتوجّه لاحقاً إلى ما يُعتبر أذرعتها الأخرى ومناطق نفوذها لعزْلها بالكامل ومحاصرتها أكثر مما هي الحال اليوم. وتالياً، فإن أي تغييرٍ في الشرق الأوسط يجب أن يمرّ عبر الجنوب ووضْع «حزب الله» العسكري وتقليص نفوذه في لبنان.

وما قَصْفُ إسرائيل لمنطقة الكولا في بيروت، إلا اختباراً لقوة «حزب الله» الصاروخية وقدرته على الردّ ضد مواقع عسكرية داخل تل أبيب على الأقلّ. إضافة إلى ذلك، فإن أي هدف يَظهر أمام إسرائيل مهما كبر أو صغر يصبّ في مصلحتها بإظهار القوة والسيطرة وعجْز أعدائها عن ردعه.

وتعتقد تل أبيب أن آلاف الضربات الجوية التي نفذتها ضد أهداف تتعلق بمقدرات القوة لـ «حزب الله» والوحدات الصاروخية ومخازنها وكذلك ضدّ الصف الأول والثاني في مراكز القيادة أوجدت حالة من الفوضى العامة، خصوصاً بعد العمليات التفخيخية التي ضربت قلب «حزب الله» بتحييد الآلاف من مقاتليه ومباغتتهم، موقعةً جروحاً دائمة وإرباكاً عاماً من دون هزيمته طبعاً.

فالكلام عن انكسار حزب الله سابق لأوانه، لأن المعركة البرية لم تبدأ بعد.

وبضربها لبيروت، تُعلن إسرائيل أنها ستطول الأهداف التي تعتبرها عسكرية أينما كانت وان لا غطاء على أحد في أي بقعة في لبنان.

وهذا سيزيد التدابير الوقائية التي سيتبعها الحزب لتقليص خسائره البشرية والمعنوية، خصوصاً أن بيروت كانت تُعتبر خطاً أحمر فرضه «حزب الله» في الحرب السابقة عام 2006.

وبرحيل السيد نصرالله واعتقاد إسرائيل أنها أربكت الحزب ودمّرت أكثر قدراته البعيدة المدى، لم يتبق لها سوى التركيز على استهداف «قوة الرضوان»، وهي الوحدات الخاصة التابعة لـ «حزب الله» والمنتشرة على خطوط التماس في جنوب لبنان والبقاع.

ولكن الأمورَ لا تسير بهذه السهولة المُطْلَقَة ولا لمصلحة إسرائيل رغم أنها ربحت جولات عدة لتفوُّقها المعلوم. إذ أن لـ«حزب الله» قدرات صاروخية ما زالت موجودة حتى ولو خسر آلاف المراكز والأهداف المتعلقة بالإمكانات ذاتها.

ولديه مخازن تحت الأرض تخوله الاستمرار بإيلام إسرائيل، كما لديه خط إمداد مفتوح مع الحدود الطويلة التي تمثل لـ «حزب الله» متنفساً لم تستطع اسرائيل قفْله حتى في عام 2006 حين امتلكت - كما هي الحال اليوم - التفوق والسيطرة الجوية.

لكن قرار ضرب تل أبيب يحتاج لقائد يتحمل المسؤولية ويرى إلى أين يتجه ويدير الحرب الطويلة بمساعدة فريق كامل.

وهذا ما يسعى «حزب الله» لإنجازه بأسرع وقت لضبط الأمور والتوجه نحو حرب مخطَّط لها بدقة لإفشال مخطط نتنياهو.

فلا يمكن لـ«حزب الله» الرضوخ، وإيران لن تسمح بوضعٍ يأخذها لمحاربة إسرائيل وأميركا على أرضها (قصف أراضيها) وبسقوط حلفائها بعد عشرات السنوات من بناء القوة.

لذلك فإن الكلمة الأخيرة ما زالت بعيدة المنال، كما هو بعيد انتصار نتنياهو الذي لن يقبل بأي وقف للنار في حالته الانتصارية. ولذلك، تبقى الكلمة للميدان ولن يقدم جبل عامل نفسه لقمة سائغة لإسرائيل بالسهولة التي يعتقدها نتنياهو.