بعد اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله، يبدو «حزب الله» أمام مفترق طرق، فإما أن يردّ بشكل غير مسبوق على إسرائيل أو أن يكرّس صورة العاجز عن مقارعتها وحماية نفسه وقاعدته الشعبية، وفق ما يقول محللون.
ولطالما شكل نصرالله، الذي يعدّ حزبه القوة العسكرية والسياسية الأبرز في لبنان، العدو اللدود لإسرائيل. ومنذ توليه منصبه عام 1992، اكتسب هالة بوصفه قاد حزباً خاض منازلات عدة مع إسرائيل وخرج منها بمظهر المنتصر.
بعد نحو عام من فتح حزبه جبهة «إسناد» لحليفته حركة «حماس» من جنوب لبنان ضد إسرائيل، جاء اغتيال نصرالله بغارة إسرائيلية في معقله في ضاحية بيروت الجنوبية، الجمعة، بعد خسائر غير مسبوقة تلقاها تباعاً في الأسبوعين الأخيرين.
ويقول مدير ملف سورية والعراق ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن لـ «فرانس برس»، «إذا لم يرد حزب الله في هذه المرحلة بضربة استراتيجية مستخدماً ترسانته من الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى، فيمكن عندها افتراض أنه ببساطة غير قادر على فعل ذلك».
ويضيف «إما أن نرى رد فعل غير مسبوق من حزب الله... أو ستكون الهزيمة الكاملة».
وحزب الله هو التشكيل الوحيد في لبنان الذي احتفظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975 - 1990)، بحجة «مقاومة إسرائيل» التي احتلت مناطق واسعة في جنوب البلاد بين العامين 1978 ومايو 2000. وله ترسانة أضخم من أسلحة الجيش اللبناني، بحسب خبراء.
لكن بعد نحو عام من بدء تبادله القصف مع إسرائيل، بوتيرة ارتفعت حيناً وتراجعت حيناً آخر، حوّلت إسرائيل تباعاً ثقل عمليتها العسكرية من غزة إلى لبنان، حيث أسفرت غارات كثيفة تشنها منذ الاثنين عن مقتل المئات وتشريد نحو مليون شخص من منازلهم.
«معادلة الردع»
أعقبت الغارات الكثيفة التي استهدفت بشكل رئيسي مناطق في جنوب لبنان وشرقه، تفجير الآلاف من أجهزة اتصال يستخدمها حزب الله الذي اتهم إسرائيل بالوقوف خلفها، ما أسفر عن مقتل 39 شخصاً وإصابة نحو نحو 3000 آخرين بجروح.
وفي الأسبوع الأخير، أسفرت الضربات الإسرائيلية على بيروت عن مقتل عدد من قادة حزب الله البارزين، واحداً تلو الآخر.
ويقول الباحث في مؤسسة «سنتشري» سام هيلر لوكالة فرانس برس إن امتناع حزب الله عن ردع إسرائيل بعد قتلها زعيمه قد يشجعها على المضي بشكل أكبر في هجماتها ضده.
وخلال نحو عام من التصعيد عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، يرى هيلر أن حزب الله لم يستنفد بعد القدرات العسكرية التي لطالما لوّح بامتلاكها «وافترض معظمنا أنه يحتفظ بها»، حتى عندما كثّف خصمه الغارات ضده ونفذ عمليات متقدّمة.
ولا يستبعد أن تكون قدرات الحزب «مبالغ فيها» أو أنه جرى تدميرها بالكامل من إسرائيل.
منذ حرب صيف 2006 التي خاضها «حزب الله» والدولة العبرية، و«هزم فيها الإسرائيليين»، كرّس الحزب، وفق هيلر «معادلة الردع الطويلة الأمد» مع إسرائيل، لكن «يبدو واضحاً اليوم أنه لا يستطيع حماية... نفسه».
«رفع معنويات»
مع خسارة قائدهم والرجل الأكثر نفوذاً في لبنان، فإن أنصار نصرالله الذين شرّدتهم الغارات الإسرائيلية وحرمتهم أفراداً من عائلاتهم، سيتوقعون أكثر من رد رمزي، وفق محللين.
وترى الأستاذة المحاضرة في جامعة كارديف البريطانية والخبيرة في شؤون «حزب الله» أمل سعد أن الحزب الذي بات بلا قائد بعد الضربة الهائلة، سيحتاج إلى تحقيق توازن دقيق في اختيار رده.
وتتوقع أن يسعى الحزب من جهة إلى تفادي دفع إسرائيل لشنّ «حملة قصف شامل ضد بيروت أو أنحاء لبنان»، بينما يتعيّن عليه في الوقت ذاته «رفع معنويات» أنصاره ومقاتليه.
وسيتعيّن على الحزب أيضاً أن يُظهر أنه قادر على حماية شعبه، والانتقام من إسرائيل، مع الحفاظ على السلام بين مختلف المكونات الطائفية في لبنان، المنقسمة حول قضايا رئيسية بينها تحكّم «حزب الله» بقرار السلم والحرب.
وتدفّق عشرات الآلاف من مناصري الحزب الشيعي المدعوم من طهران، من جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية الى مناطق أخرى ذات مكونات طائفية مختلفة، بحثاً عن مأوى من الغارات.
ويرى الباحث في معهد كارنيغي للشرق الأوسط مهند حاج علي، أن خسائر حزب الله الأخيرة أصابته بـ«شلل»، محذراً في الوقت عينه من استبعاد الحزب عن المشهد تماماً.
ويقول «يتطلب الأمر قيادة جديدة، ونظام اتصالات، واستعادة سرديته والتواصل مع قاعدته الشعبية»، لكنه سيكون من «الصعب جداً تخيل زوال التنظيم بهذه السرعة».
ولطالما كرّر كبار قادة الحزب الإشارة الى أن القضاء على قياديين من صفوفهم لا يؤثر على بنية الحزب العسكرية وقدراته الميدانية.
وتشرح سعد في هذا السياق، أن بنية «حزب الله» كمجموعة مسلحة «مصمّمة لاستيعاب صدمات مماثلة»، مشيرة على سبيل المثال إلى اغتيال إسرائيل، القائد العسكري البارز في الحزب عماد مغنية بتفجير سيارته في دمشق عام 2008.
وتضيف «عندما ينقشع الغبار، فإن أداء حزب الله لا يعتمد على شخص واحد»، مضيفة أن نصرالله في نهاية المطاف «ليس شخصية أسطورية، بل انسان» عادي.