عرضت أميركا والدول الأوروبية على لبنان خطةً للعمل على التهدئة مع إسرائيل ووقف إطلاق النار والعودة إلى ما قبل الثامن من أكتوبر 2023. إلا أن هذا العرض قوبل بالرفض تماماً من المقاومة التي لن تَسقط بيد أميركا وإسرائيل لتعزل مصير لبنان عن غزة ولن توقف النار حتى تتوقف الحرب على غزة وترضى المقاومة الفلسطينية باتفاقٍ تراه مناسباً.
لا يمكن لـ«حزب الله» أن يقبل بأي عرضٍ لوقف النار بعدما دمرت إسرائيل أكثر من 2000 هدف، وموجة النزوح من الجنوب اللبناني والبقاع التي بلغت أعداداً كبيرة أراحت «حزب الله» بالاطمئنان الى أمان بيئته، هو الذي تلقّى الصدمات الأولى من تفخيخ أجهزة النداء إلى الضربات ضد قادته وبعدها الهجوم الجوي الإسرائيلي في شكل واسع على الجغرافيا اللبنانية ضد مقاتليه وعائلاتهم.
وإذ سهّل «حزب الله» وصولَ أعداد كبيرة من المهجّرين من البقاع إلى سورية بحسب الخطة المعدة سابقاً في حالة الحرب، بالاتفاق مع الحكومة السورية، فإن سقوطَ آلاف الشهداء والجرحى قد حصل وعيّن «حزب الله» القادة القدامى في الوحدات الخاصة، «قوة الرضوان»، الذين خبروا حروباً طويلة وعادوا إلى الوحدة التي أسّسوها ووضعوا القوات في حال تأهب قصوى استعداداً لأي معركة برية.
إضافة إلى ذلك، تتهيأ الوحدات الصاروخية الاختصاصية لاستخدام الصواريخ البالستية المتوسطة والبعيدة المدى من مواقعها في الجنوب والبقاع والحدود السورية عندما تحدّد القيادة في «حزب الله» الوقت لإدخالها في المعركة.
إذاً فإن الضربة على الرأس قد حصلت واستفاقت منها المقاومة بعد أكلاف مهمة وباهظة، وهذا ما أعاد نشاطها وقوّتها لتتعامل مع كل القواعد التي كسرتْها إسرائيل في الأسبوعين الأخيريْن.
وأفرغت إسرائيل جزءاً كبيراً من بنك أهدافها ضدّ قدرات المقاومة العسكرية فقط بضربها أكثر من 2300 هدف في أيام الحرب الأولى.
وتالياً فإن القدرات الأساسية للحزب تمثّلت في الانتقال من إطلاق 210 صواريخ ضد إسرائيل إلى 600 يومياً، كرسالة بأن قوتها الصاروخية مازالت على حالها وان إدخال صاروخ بالستي أقلّ حداثة، ليس إلا رسالة إستراتيجية لِما ينتظر إسرائيل لاحقاً خصوصاً أن الحزبَ يتمتع بكامل القيادة والسيطرة.
وتحاول إسرائيل تعميقَ «شرعيّة» حربها على لبنان بتقديمها حلاً لوقف النار على جبهة واحدة لتعزل «حزب الله» عن غزة والادعاء بأنها تقبل تسوية ولكن تحت النار، تماماً كما فعلتْ في غزة وعادت ورفضت إنهاء الحرب لاحقاً وتراجعتْ عن كلامها.
وهذه سياسةٌ تَعلم تل أبيب أن «حزب الله» يرفضها لأنه لا يمكن له الخروج خاسراً والقبول بشروطها. ولذلك يشير نتنياهو من خلال أفعاله إلى العزم على الاستمرار بالحرب على الجبهة الشمالية وربما توسيعها تحت عذر شرعي (حتى ولو لا يحتاج لمبررات للاعتداء على لبنان) بعد رفض حزب الله «عرض إسرائيل السخي».
إن حجم الخسائر التي أوقعتْها إسرائيل في صفوف المقاومة وبيئتها الحاضنة تعكس نياتها لإملاء الشروط وليس للتفاوض لأن التوازن في نظرها مفقود.
لذلك فإن هذا العرض لن يلاقي أي مقبولية ولا سيما أن إسرائيل لم تدفع الأثمان بعد، بل دفعه لبنان لوحده.
وعلى الرغم من تصريح البنتاغون أن «أميركا مازالت تعتقد ان هناك وقتاً لحل دبلوماسي يمنع اندلاع حرب شاملة»، إلا أن واشنطن متحمسة أكثر من إسرائيل للقضاء على «حزب الله» و«حماس» إذا نجحت الحملة الإسرائيلية في ذلك.
لهذا، فإن بداية الحرب وما يُسمى بالدعوة لوقف النار ما هي إلا خطة أميركية – إسرائيلية مشتركة لا تهدف إلا لإضعاف تحالف محور المقاومة الذي تَعاظَمَ منذ قرار فتح جبهة الإسناد والذي ولد تضامن المصير والدم بين غزة ولبنان وبقية أفراد المحور من اليمن إلى العراق.
وتُعتبر هذه اللحمة لمحور المقاومة "جرس إنذار" لأميركا وإسرائيل لأن ذلك من شأنه دعْم النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط بحسب الرؤية الإسرائيلية – الأميركية المشترَكة.
لذلك فإن وقف النار غير متوقَّع وفصل لبنان عن غزة مستحيل، و«حزب الله» لن يوقف دعمه تحت النار لأن بنيامين نتنياهو لا يملك أي هدف يستطيع تحقيقه ولايزال في الموقع ذاته الذي يمنعه من إبرام أي اتفاق لخشيته من تصدُّع حكومته ومن المتطرفين فيها الداعين لاستمرار الحرب على غزة ولبنان.
لذلك، فإن «حزب الله» يبني على قاعدة أن إنهاء الحرب يسري على الجميع (لبنان وغزة) أو لا أحد، وان فصل المسارات غير ممكن وأن الحرب سجالٌ ومازالت في بدايتها وأن أي استعداد لعملية برية سيعطي فرصةَ الاصطدام مع العدو من مسافة أقرب لأنه لا يتمتع بأي فرصة للنجاح، إذ لن تتمكّن إسرائيل من إنشاء منطقة عازلة ولا إبعاد «حزب الله» وصواريخه عن الحدود ولا المحافظة على أي مكتسب إذا وطأت قدم جيش الاحتلال الإسرائيلي لأرض جبل عامل وحاولت البقاء فيها.