أسّس رئيس الوزراء السويدي غوران بيرسون (Göran Persson) تحالفاً دولياً لتشجيع وترويج تعليم وتثقيف الطلبة بشأن محرقة اليهود وسبل إحياء ذكراها وإجراء الأبحاث في شؤونها، وذلك من خلال تأسيس فرقة عمل لتعاون دولي (ITF) في سنة 1998، شُهّرت رسمياً في يناير 2000 بالمنتدى الدولي حول «المحرقة»، الذي عُقد في العاصمة السويدية ستوكهولم. ولاحقاً في سنة 2013 غُيّر اسم الفرقة إلى التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (IHRA)، الذي يضم اليوم 34 دولة عضو ودولة واحدة بمستوى اتصال وسبع دول مراقبة.

في سنة 2016، اعتمدت الهيئة العامة للتحالف الدولي (IHRA) ما يسمى بـ «التعريف العملي» لمعاداة السامية. وتضمّن هذا التعريف أمثلة توضيحية معاصرة لما يعتبره التحالف من «مظاهر معاداة السامية». ورغم أنه ذكر في وثيقة التعريف أنه غير ملزم قانونيّاً، إلا أن الوثيقة مُلغّمة بأمثلة توضيحية خطرة جدّاً، لأنها تُجرّم صراحة انتقاد سياسات وممارسات إسرائيل، باعتباره أحد مظاهر معاداة السامية.

ولذلك، اعترض الكثير من الحقوقيّين على «التعريف العملي»، لأن تطبيقه يُحصّن إسرائيل من المساءلة القانونية والدولية. ومن بين هؤلاء الحقوقيين، جيوفاني فاسينا (Giovanni Fassina) مدير مركز الدعم القانوني الأوروبي (ELSC) الذي اعتبر أن تطبيق هذا التعريف يُقيّد حق المدافعين عن الفلسطينيين في الاعتصام والاستنكار، بما يتناقض مع ما تتبنّاه المفوّضية الأوروبية.

وفي مسار موازٍ، دعا ائتلاف مكوّن من 104 منظمات مجتمع مدني – من بينها منظمة العفو الدولية و«هيومن رايتس ووتش» – الأمم المتحدة إلى عدم اعتماد «التعريف العملي» لأنه «يُوظّف لقمع انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة بأيدي السلطات الإسرائيلية»، كما حثّت هذه المنظمات الأمم المتحدة على «ضمان ألّا تُشجّع جهودها المهمة لمكافحة معاداة السامية، السياسات والقوانين التي تُقوّض حقوق الإنسان أو تُؤيّد تقويضها».

ولكن بالرغم من تحرّكات الأفراد والمنظّمات الحقوقية، صادق العديد من الدول على «التعريف العملي». ومن بين أغربها مصادقة برلمان ألبانيا (الدولة الأوروبية ذات الأغلبية المسلمة) على «التعريف العملي» في 2020.

وفي الولايات المتحدة الأميركية، الدولة الأكثر تأثيراً في المشهد العالمي، أقرّ مجلس النوّاب في مايو الماضي «قانون التوعية بمعاداة السامية»، الذي يعتمد «التعريف العملي»، بموافقة 320 صوتاً مقابل 91. ومن المتوقّع أن يُقر القانون في الأشهر المقبلة من قبل مجلس الشيوخ ثم الرئيس.

ويرى مراقبون سياسيون وحقوقيون، أنه بعد اعتماد «التعريف العملي» في أميركا، سيصبح إقراره في الأمم المتحدة مسألة وقت. حيث سبق أن نجحت إسرائيل في 2022 بتمرير قرار في الجمعية العامة للأمم المتّحدة لمكافحة إنكار «المحرقة». ويرى هؤلاء المراقبون أن إقرار «التعريف العملي» في الأمم المتحدة سوف يفاقم إشكالية الازدواجية في قراراتها.

وهنا تستطُع أهميّة الدعوة التي وجّهتها دولة الكويت، عبر كلمتها يوم الأحد الماضي في قمة المستقبل بمقر منظمة الأمم المتحدة، إلى ضرورة التزام المنظّمة بتطبيق القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية بمسطرة واحدة، بعيداً عن ازدواجية المعايير، كالتي كبّلت المنظّمة عن التصدّي لجرائم الإبادة الجماعية التي مازالت ترتكبها إسرائيل.

وهذه الدعوة تؤكّد مرّة أخرى بأن الكويت، إلى جانب نشاطها المبادر في الميادين الإنسانية، تتميّز بموقفها الأصيل الثابت في الميادين السياسية، في مواجهة العربدة الإسرائيلية...

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.

تساؤل:

«قانون التوعية بمعاداة السامية» الذي أقر بأغلبية كاسحة في مجلس النوّاب الأميركي «المنتخب»، يرفضه أغلبية الشعب الأميركي، وذلك وفق إحصائيات الاعتصامات والمظاهرات (المؤيّدة والمناهضة لإسرائيل) في الشوارع والجامعات الأميركية منذ طوفان الأقصى. وحسب رأي مراقبين سياسيين، السبب وراء هذا التناقض هو إدراك النواب مدى قُدرة اللوبي الصهيوني على توجيه الناخب الأميركي. فهل الشعب الأميركي فعلاً مصدر السلطة التشريعية الأميركية؟ وماذا بشأن الديمقراطيّات الناشئة الأدنى تنظيماً؟

abdnakhi@yahoo.com