لم يشك أحد في وحشية إسرائيل وهمجية هجومها الجوي على لبنان بعدما فعلته في قطاع غزة. فقد بدأت حملة جوية مكثفة على أهداف عسكرية في جنوب لبنان وبقاعه من دون تحييد المدنيين الموجودين في أماكن قريبة من «بنك الأهداف» الذي تمتلكه من خلال جمع المعلومات البشرية والإلكترونية والفضائية منذ الحرب الثانية على لبنان عام 2006.

ومن الطبيعي أن تفرغ صواريخها على هذه الأهداف لأيام طويلة من الممكن ان تمتد لأكثر من أسبوع. وهذا سيعطي الفرصة للمقاومة بحسب مراقبين للبدء بخطتها لفرض واقع عسكري مختلف بعد انتهاء مرحلة «الجنون الأول» وانتهاء بنك الأهداف لتحصي موجوداتها وتنتقل لمرحلة المبادرة لتضرب أهدافاً نوعية وبعيدة.

لا يمكن اعتبار ما يحصل في لبنان إلا حرباً، نسبة لحجم وكثافة الضربات، حتى من دون هجمات برية أو عبور حدود.

إذ تتميز الحرب عموماً بالعنف المنظم المستمر بين الأطراف المتحاربة والذي يغطي مساحة كبيرة من البلاد. كذلك يتماشى مع ظروف الحرب الدمار والخسائر البشرية وتعطيل الحياة اليومية في كلتا المنطقتين.

تالياً، فإن الطبيعة الحديثة للصراع التي تشمل القصف الجوي المكثف وتبادل الصواريخ والحرب النفسية - حتى ولو لم تتغير ملكية واحتلال الأراضي - تهدف إلى تحقيق أهداف إستراتيجية وإحداث أضرار كبيرة وخلق ضغط وواقع جديد من خلال الهجمات البعيدة المدى.

لذلك فإن تعريفها بـ «الحرب الثالثة» يتماشى مع الواقع الراهن حتى ولو كانت غير متكافئة، حيث تستخدم إسرائيل تفوقها الجوي، ويعتمد «حزب الله» على تكتيكات الصواريخ أو «حرب العصابات»، السمة البارزة للصراعات اليوم.

وما تفعله إسرائيل عسكرياً يهدف لإعطاء رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الوقت الكافي للخروج من مأزق أهدافه غير المحقة في غزة (تحرير الأسرى وإنهاء حركة «حماس») وانتظار الرئيس الأميركي الجديد، لعله يعول على وصول دونالد ترامب الذي يتوقع نتنياهو ان يطلق يده ليدخل التاريخ بضرب جميع الفلسطينيين وتوسيع مساحة إسرائيل الجغرافية ودعمه المطلق في أي حرب يرغب في تطويرها.

لذلك، فإن إسرائيل تمتلك «بنك أهداف» يحتوي على آلاف النقاط (مخازن، مستودعات وأفراد) التي يجب تدميرها في الأيام الأولى، تماماً كما فعل رئيس الأركان دان حالوتس عام 2006 في حرب لبنان الثانية، مع اختلاف واحد في المعركة اليوم، في الظاهر القريب، تحييد البنى التحتية، لغاية اليوم.

وكان حالوتس ووزير دفاعه عمير بيرتس، اللذان استقالا بعد الحرب إثر فشلهما في تحقيق الأهداف، أعلنا في الأيام الأولى للحرب، القضاء على قدرات الحزب الصاروخية.

كذلك أعلن مبكراً وزير الدفاع الحالي يوآف غالانت، وبعد اليوم الأول هذه المرة، ان «إسرائيل دمرت أكبر مخازن حزب الله الصاروخية وأعادته 20 سنة إلى الوراء».

ومن مشاهدة بعض الصور الجوية، تظهر مشاهد التقطتها الطائرات بضرب مناطق مفتوحة بصواريخ للتحصينات. وهذا يدل على ان لدى إسرائيل بعض المعلومات عن تحصينات تحت الأرض لمخازن صواريخ تابعة للحزب.

إلا أنها لا تعلم ان هناك مئات الانفاق والمخازن والتحصينات تحت الأرض التي بنيت لتتحمل أكبر القذائف الأميركية.

وهذا يشير إلى أن «حزب الله» لم يخزن صواريخه في مناطق سكنية - كما يدعي نتنياهو - بل في مخازن فوق وتحت الأرض بعيدة عن المدنيين بعد أخذ العبر من حرب 2006 وتقييم وحشية إسرائيل.

وتؤكد مصادر مطلعة، أن تل أبيب تضرب المخازن الاضافية المتواجدة المستحدثة فوق الأرض لعدم اتساع الأماكن المحمية للأسلحة التي راكمها الحزب في الأشهر الأخيرة.

ومن المتوقع ان تستوعب المقاومة اللبنانية الضربات الأولى إلى حين استنزاف إسرائيل بنك أهدافها، لتبدأ المقاومة بإطلاق صواريخها الثقيلة وبعيدة المدى التي تقلب الموازين عسكرياً ونفسياً على الشعب اللبناني وعلى المستوطنين الإسرائيليين لما ستتركه من أثر لن يأتي أكله في زحمة القصف المكثف الحالي.

ويعود سبب الخسائر البشرية العالية في اليوم الأول، إلى ان إسرائيل استهدفت مقاتلين في منازلهم مع عائلاتهم، وفي بعض الأحيان قامت بتدمير مبنى بأكمله يتواجد فيه عنصر من الحزب، مهما كانت وظيفته المتواضعة أو المسؤولية الأعلى.

وهذا ما حصل في جنوب لبنان، ما أعطى العبرة لأولئك في البقاع لإخراج العوائل من المنازل قبل وصول الطائرات الإسرائيلية، بينما تبرر تل أيبب أفعالها الوحشية بأنها لا تستهدف المدنيين مباشرة، وتالياً تدعو «حزب الله» إلى الابتعاد عن ضرب المدنيين الإسرائيليين، وهذا ما التزمت به المقاومة منذ اليوم الأول.

أما الحزب، فسيعمل جاهداً لتحييد المدنيين عن المعركة من دون التوقف يوماً عن ضرب مئات الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، لتشعر إسرائيل بأنه ملزم بالرد اليومي المعتاد بما لديه من قدرات، كما تعود في الحروب السابقة، خصوصاً في الـ2006، حيث سيطرت إسرائيل على السماء لأقل من اسبوعين إلى حين إنهاء بنك أهدافها.

ومن بعدها من المتوقع أن تظهر المقاومة من دون تردد، صواريخها الكبيرة وبعيدة المدى لتصل حتى إلى النقب، حيث القواعد العسكرية، ليظهر«حزب الله»أن كامل الجغرافيا الإسرائيلية تقع تحت مرمى صواريخه وليستعيد المعنويات والسيطرة على الحرب النفسية لضرب مشروع وأهداف نتنياهو بإعادة أهل الشمال المستوطنين إلى منازلهم.

ولم يدرك رئيس الوزراء، ان «حزب الله» وضعه في الفخ، عندما أعلن أمينه العام ان «أهل الشمال لن يعودوا» وانه «قبل التحدي»، ليجبر إسرائيل على وضع هدف من المستحيل تحقيقه إلا بإنهاء الحرب على لبنان وعلى غزة.

وهذه خطوة ذكية تنم عن دراية بالسياسة الإسرائيلية القادمة واستعدادها لضرب للبنان خصوصاً بعد ان علم الطرفان ان إبقاء الجبهة على حالها طيلة نحو السنة لن يغير المعادلة ولن يوقف حرب غزة ولن يعيد المستوطنين.

اما بالنسبة لضرب الضاحية الجنوبية لبيروت، فإن إسرائيل أرست قاعدة ان أي مسؤول رفيع المستوى، هو هدف مشروع لها أينما كان.

وتالياً، فإن تل أبيب تهدم المباني عند بروز هدف لها من دون مراعاة المدنيين بداخلها، ما دام نتنياهو يرى ان قدرات المقاومة مازالت سليمة ومؤلمة، ولن يغير هذه القاعدة إلا إذا شعر ان مقدرات الحزب ضعفت ولن تستطيع إيذاء تل ابيب ليكسر معادلة الضاحية مقابل عاصمته الاقتصادية المزعومة.

أيام طويلة من القصف تنتظر لبنان إلى حين إنهاء بنك الأهداف، وأسابيع وأشهر طويلة مماثلة تنتظر الطرفان، إلا إذا قررت إسرائيل إيقاف الحرب على غزة أولاً، لأن فلسطين هي القضية الأولى والأخيرة في هذه الحرب الشرسة.