من الخطأ الاعتقاد بأن أميركا راعية السلام في منطقتنا العربية أو في العالم. أميركا دائماً وراء الأزمات السياسية وإشعال الحروب، باعتراف الكثير من مثقفيها وساستها، حتى أن الرئيس السابق آيزنهاور، كان يتساءل عن سبب كراهية شعوب العالم لبلاده. لا تزال أميركا تدعم الكيان الصهيوني المحتل في قمع الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم بالقوة، وبناء المستوطنات فيها، دونما اعتبار لاتفاقية أوسلو التي كانت تحت رعايتها، والتي صارت حبراً على ورق.

كما تحولت إلى طرف مشارك مع الصهاينة في جريمة حرب إبادة وحشية على سكان مدينة غزة المحاصرة في رفضها وقف الحرب، بما تقدمه لهم من أسلحة دمار شامل فتاكة، وتحديها للقانون الدولي، وعدم الاعتراف به، من أجل حماية الإرهابي نتنياهو المطلوب القبض عليه من قبل محكمة جرائم الحرب الدولية.

تدخلات أميركا في منطقتنا العربية كانت وبالاً على شعوبها، كتدخلها في احتلال العراق، وتدميره ثم تسليمه لإيران، لإشعال فتيل الفتنة فيها. وفي سورية، سمحت للنظام فيها باستخدام غاز السارين الكيماوي المحرم دولياً لقتل السوريين. أفغانستان لم تسلم من أميركا، حيث احتلالها دام عقدين، تحولت فيه أفغانستان إلى ركام.

الأوروبيون حلفاء أميركا، وشركاؤها في حلف الناتو، يعانون من أعباء الحرب بين الأوكرانيين والروس، التي فرضتها عليهم أميركا، وتسببت بمشاكل اقتصادية وأمنية هم في غنى عنها، لو أن الأميركان قبلوا باتفاق مع الروس يلزم حيادية أوكرانيا ويضمن عدم انضمامها إلى الحلف. وما يخشاه الأوروبيون هو تصاعد حدة الحرب، التي ربما تؤدي إلى استخدام روسيا أسلحة دمار شامل نووية تجعل من دول أوروبا الشرقية أكثر المتضررين منها.

ولعل الجارة بولندا من أكثر الدول المتضررة من الحرب الأوكرانية، حيث تستضيف على أراضيها قرابة 6 ملايين لاجئ أوكراني، ويستخدمها الأميركان كقاعدة إمداد عسكري لأوكرانيا، الأمر الذي يجعلها عرضة من انتقام روسي، ما دفع البولندي غريغورس، عضو البرلمان الأوروبي إلى التنديد بتحالف بلاده مع الأميركان في الحرب الدائرة في أوكرانيا، وقد عبّر عن عدم ارتياحه هذا بعبارات شديدة اللهجة وجهها إلى وزير الخارجية الأميركي بلينكن: «بلينكن عد إلى بلادك فوراً، أغرب عن وجوهنا لا نريدك في بلادنا. الشعب البولندي ليس مستعداً للتضحية وللموت من أجل حروبك».

لم يكتف الأميركان بمشاغلة روسيا في أوروبا، بل تحولوا لمشاغلة الصين التي يعتبرونها عدواً لإمبراطوريتهم العظمى، حيث أرسلوا فرقاطة ألمانية منذ أسابيع عبرت مضيق تايوان، كعمل استفزازي للصين. فكيف يعمّ السلام في العالم، وأميركا تعمل على إثارة الحروب هنا وهناك، وتعتبرها ضرورة لفرض هيمنة إمبراطوريتها على العالم؟