فَتَحَ «حزب الله» الجزء الأول من منشآته المحفورة في الجبال ليُخْرِجَ من نفق «عماد - 4» النوع الأول من صواريخ «فادي» التي تحمل 50 كيلوغراماً من المتفجرات ويصل مداها إلى 80 - 100 كيلومتر، ليضرب فيها أهدافاً عسكرية في العمق الإسرائيلي، مبتعداً عن المدنيين، وهي أخلاق الحروب التي لا تتمتع بها ولم تحترمها إسرائيل ضد فلسطين ولبنان.
واتخذت المعركة الفعلية الأولى على جبهة لبنان، منحى آخَر لأنها تخطّت جنوب نهر الليطاني، ليدخل مخزون «حزب الله» من الصواريخ الموجود شمال النهر في المواجهة التي وصلت حدودها على المقلب الآخَر إلى حيفا في فلسطين المحتلة. هذا بالإضافة إلى أن «حزب الله» يحضّر ضربة أخرى أشرس بكثير وبصواريخ أكثر تدميراً تطول أهدافاً عسكرية في تل أبيب مقابل ضربة إسرائيل الأخيرة للضاحية الجنوبية. ولكن طبول الحرب تُقرع ضمن حدود مازالت مقبولة ولكن مفتوحة على كل الاحتمالات.
وقد أفرغ «حزب الله» المستشفيات في لبنان من أكثر المصابين بجروح مختلفة بعدما قدّمت إيران طائراتها لاستقبالهم في مستشفياتها، مع أحد أفراد عائلاتهم للمواساة، وعلى نفقتها.
كذلك أمر الرئيس السوري بشار الأسد جميع المستشفيات والعيادات العامة وحتى الخاصة باستقبال الجرحى اللبنانيين الذين أصيبوا في الهجوم الإرهابي الذي أصاب يومي الثلاثاء والأربعاء الماضييْن فئة كبرى من اللبنانيين، من مدنيين وأفراد من «حزب الله».
وكانت وزارة الصحة اللبنانية أخذت على عاتقها معالجة جميع المصابين في الهجوم الإرهابي الذي استُخدمت فيه إسرائيل، ليس فقط كمية من المتفجرات بل أيضاً كرات معدنية على غرار الأحزمة الناسفة التي استعملها الإرهابيون ضد المدنيين في الأعوام الماضية.
ويعود سبب إفراغ المستشفيات إلى تحضير «حزب الله» للمعركة المقبلة ولرفع الضغط الهائل عن الكوادر الطبية والذي أصاب أكثر من مستشفى في لبنان بسبب العملية الإرهابية التي أصابات الآلاف من اللبنانيين.
وهذا يعني أن الحزب يستعدّ لمعركة كبرى مهما بلغت حدودها ونتائجها، إذا كان ذلك ما يهدف له رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يأخذ الحرب إلى المكان الذي يريده هو ويجرّ الجميع وراءه فارضاً مستوى الرد والرد المقابل.
ويُعد قرار الحزب، بتوسيع نطاق جغرافية المعركة رداً على القصف الإسرائيلي الذي طال مناطق خارج رقعة الاشتباك خطوة ومرحلة جديدة من الحرب لم تُستخدم سابقاً.
وقد استدعى هذا أن تتخذ أعلى مستوى في قيادة التنظيم القرار بفتح مخابئ ومخازن الحزب الموجودة شمال نهر الليطاني لأنها تحوي صواريخ متوسطة المدى واستدعاء الوحدة الصاروخية المناسبة والتي لم تكن قد دخلت المعركة سابقاً.
وهذا يشير إلى أن منظومة الصواريخ والراجمات الموجودة جنوب النهر تعمل على أهداف قريبة على طول الحدود وكذلك لديها مهمة إضافية بإغراق منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية وفتْح «ممر» للصواريخ الأكثر تدميراً الآتية من شمال النهر أو الأخرى التي من المتوقع أن تأتي من البقاع لاحقاً أو قريباً من الحدود اللبنانية - السورية، للرد على ضربة إسرائيل لبيروت، وهي تحمل صواريخ أكبر وأكثر تدميراً وأدق إصابة لم تتعرّف إسرائيل على قدراتها بعد.
ولن يسكت «حزب الله» على ضرب إسرائيل لضاحية بيروت وتدمير مبنيين مدنيين فقط لقصف مركز لـ«حزب الله» تحت الأرض اجتمع فيه بعض القادة، وهو سيعمل على إعادة التوازن والردع ومنع ضربات أخرى أو تسجيل توازن جديد يَفرض معادلة أن استهداف الضاحية سيقابله تل أبيب وليس حيفا.
وهذه المعادلة ستكون من دون شك خارج سياسة «الصبر الإستراتيجي» التي ينتظر فيها «حزب الله» الأسابيع لتنفيذ خطته. بل ستمرّ ساعات أو أيام قليلة فقط لتنفيذها، بحسب مصادر عسكرية مطلعة.
ولن يتوانى نتنياهو عن إبقاء الجبهة اللبنانية مشتعلة للأشهر المقبلة في انتظار نتائج الانتخابات الأميركية وما سينتج عنها من رئيسٍ يطلق يده بالقتل الأوسع أو يعمل لوقف الحرب على غزة ولبنان.
وهذا يعني أن ضبط المعركة لن يكون سهلاً حتى ذلك الحين، وأن تدحرجها الخطير الذي من الممكن أن يأخذ الأمور إلى الحرب المفتوحة ليس مستبعداً ما دام الطرفان قررا توجيه الضربات القاسية المتبادلة وإبقاء الحساب مفتوحاً.
وتعمل إسرائيل من خلال الرؤية الأميركية نفسها: إذ تنظر إلى «عضلاتها» العسكرية وإمكاناتها الإلكترونية والدعم اللامحدود الذي يأتيها من أقوى دولة في العالم، أميركا، وحلفائها الأوروبيين، وتبني على ذلك خطواتها السياسية.
إلا انها تتجاهل أن «حزب الله» يملك عقيدة وروحية لا تدخل في حسابات إسرائيل وعضلاتها.
فقد عيّن الحزب بديلاً لفؤاد شكر - القائد العسكري العام لحرب «طوفان الأقصى» (فقط) والذي اغتالته إسرائيل - شخصيةً جديدة أقسى بكثير من سلفه ويتمتع بخطط حربية مفتوحة على كل الاحتمالات اللامحدودة.
وهذا ما شاهدت إسرائيل نتائجه في اليومين الماضيين حيث تم الترميم وتخطي المرحلة وبدأ القصف ضد إسرائيل لمسافة 45 كيلومتراً، وهي المسافة الأبعد منذ بدء الحرب.
كذلك عيّن «حزب الله» بديلاً عن قائد وحدات «الرضوان»، إبراهيم عقيل، الذي اغتالتْه إسرائيل في بيروت مع ثلة من الضباط. والقائد الجديد يُعد من أول مؤسسي الوحدات الخاصة، ويتمتع بجرأة وإرادة لا حدود لها وتقدير الأفراد وضباط الوحدة.
وتالياً فإن إسرائيل لم تتعلم من التاريخ منذ أن اغتالت الأمين العام لـ«حزب الله» السيد عباس الموسوي عام 1992 ليحل مكانه كابوس إسرائيل الأكبر السيد حسن نصرالله.
مما لا شك فيه أن المنطقة تتحضر لجبهات متعددة تضرب إسرائيل إذا أرادتها حرباً مفتوحة على لبنان وأبقت على الحرب على فلسطين.
فهي لم تحقق أهدافها أمام أضعف قوة في حلف المقاومة في غزة ولن تحقق شيئاً أمام الأقوى، «حزب الله»، وحلفائه سوى دمار أكبر لإسرائيل ولسمعتها دولياً وسمعة جيشها الأكثر لا أخلاقية في العالم.