على الرغم من أن الكثير من المؤرخين الفرنسيين يبرؤون الملكة ماري أنطوانيت، زوجة آخر ملوك فرنسا لويس السادس عشر، من عبارة «إذا لم يكن هناك خبز للفقراء فليأكلوا البسكويت (البريوش الفرنسي الفاخر)»، إلا أنها ارتبطت باسمها بفعل إرهاصات الثورة الفرنسية في عام 1789. لعل البعض من الثوار الفرنسيين حينها قد استغل تلك المقولة التي وردت في مذكرات الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، في كتابه المعنون بـ «الاعتراف» من أجل إثارة الجماهير على ماري أنطوانيت، وهي بريئة منها، إلا أن الجماهير في وقت الأزمات تستجيب إلى أغلب الإشاعات لتجعل منها شعارات عاطفية لكي تشحذ الهمم من أجل غايات سياسية.

ولكن عندما تكون الحقيقة رقمية موثقة صحيحة لا لبس فيها ونابعة من مصدرها كالتي أعلن عنها في تصريحات المسؤولين عن التنمية ومكتوبة في الصفحة الإلكترونية الرسمية الخاصة بالمؤسسة الرسمية وهي الأمانة العامة للتخطيط والتنمية، فهي ليست مثل «بريوش» ماري أنطوانيت.

نعم هي نحو 32 مليار دينار أي أكثر من 100 مليار دولار ذهبت لمشاريع التنمية في الخطتين الأولى والثانية منذ عام 2010 حتى 2020، وقليلاً من الثالثة التي لم تقر حتى الآن بقانون! الأمانة العامة وبشفافية واضحة تعلن عن المشاريع التي رصدت لها وصرفت فعلياً عليها تلك المليارات، بل إن الأمانة العامة ترسل تقارير دورية فصلية إلى كل من مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية ومجلس الأمة بشأن «حالة» تنفيذ الخطة، ومن ثم تنشر بعضاً من هذه التقارير على الصفحة الإلكترونية لكي يطلع عليها الجمهور. فليس هناك أي لبس أو مجال لإثارة التهم والإشاعات في تلك المعلومات بل إنها مقدمة بطريقة «بريوشية فاخرة»... لكن الشياطين دائماً تكمن في التفاصيل!

ومن هذه التفاصيل الغائبة والموجب توضيحها هي كيف تم صرف تلك المليارات؟ وما هي آثارها على مؤشرات التنمية؟ وما علاقة كل مشروع تم تبنيه في الخطة بمؤشرات التنمية وكيف أثر فيه، سلباً أم إيجاباً؟ وما هي علاقة زيادة الميزانيات المصروفة فعلياً على مشاريع التنمية الآخدة في الارتفاع طرداً مع مؤشر الفساد في الكويت الصادر عن منظمة الشفافية العالمية وغيرها من مؤسسات دولية؟

وعلى الرغم من أن الأمانة العامة قد بينت عدد ونوعية العراقيل التي تعيق الجدول الزمني للمشاريع، وعلى الرغم من توضيح مسؤوليتها بأن أغلبية المشاريع متأخرة عن جدولها الزمني، إلا أن التفاصيل الكامنة فيها تحتاج إلى تبيان أيضاً، والتي على رأسها ماهية الجهات التي تكون مسؤولة عن تلك المعوقات، ومن هو المسؤول عنها في كل جهة! والتفاصيل تكمن أيضاً في ايضاح دور القطاع الخاص في خطة التنمية الثالثة وعلاقة الشركات بخصخصة بعض المؤسسات الحكومية في المرحلة المقبلة، من حيث ميزانية عقدها وطبيعة دورها وغير ذلك من تفاصيل، لابد من نفيها أو إثباتها!

أما من حيث مسؤولية أعضاء السلطة التشريعية السابقين، فهي معلقة على رقبة كل نائب لم يقرأ تقارير المتابعة ولم تستفزه مشاعره السياسية إزاء طبيعة تلك المعوقات والعراقيل ومسببات تباطؤ التنفيذ عوضاً عن الهدر المحتمل في تلك المشاريع المليارية، وعدم ارتباطها بأهداف ومؤشرات التنمية الواردة في الخطتين التنمويتين الأولى والثانية الصادرتين بقانون، وكأن تلك المليارات لا تساوي عندهم «بريوش ماري أنطوانيت»!

ننتظر من الحكومة الحالية الكشف عن حيثيات الخطة الثالثة، وجميع ما أحيط بالخطتين السابقتين وأسباب التواضع في الأداء، وكيفية تحقيق منظور جديد للتنمية، فالوقت يمضي سريعاً، والفرص تمر مرور السحاب.