يلتقي المشاهدون مواطنو الشرق الأوسط على صعيد الفضائيات العربية على مدار الساعة طوال السنة، فيتعارفون ويتفقد بعضهم بعضاً بالتحاليل السياسية والحلقات الحوارية والأخبار الرسمية، فلا يجدون فيها إلا حفر الخنادق وتصاعد نيران البنادق؟ وفتح المواجع!
فهذا الشعب قد مات جوعاً، وذاك مات ظمأً!
وثالثاً قتلته ثورة؟ ورابعاً مات بقنّاص وخامساً طارت به قنبلة!
وقيادياً هوت به طائرة!
وأطفالاً فقراء تردّى عليهم منجم!
ثم يعودوا إلى الإحصائيات ليدونوا فيها حاضرهم كما دونوا فيها ماضيهم، ثم يوازنوا بينهما فيجدوا أن الحاضر أشدّ قتامة من الماضي... وأن ساحات الاحتراب لاتزال ملوّنة بدماء الأبرياء ومصانع الموت لاتزال تفتك في أعداد السكان وتستكثر من أدواته... وأن اغراس الشر مازالت عالقة ببعض المنظرين المفلسين... بعد كل فضيحة تتوالى التصريحات بالانتقام!
وكل هذه المآسي ينشرونها على طريقة أفلام رامبو، فسحائب البغضاء لاتزال ناشرة أغصانها الشوكية على المجتمع العربي والإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، شعوباً وقبائل وأجناساً وأنواعاً ومذاهب وأدياناً ومنازل وأوطاناً... فزاد التحريش الشيطاني بينهم فزادت البغضاء وحلّت الشحناء بين الرجل وصاحبه لأنه يُخالفه جنسه وإن عرف أنه يوافقه أبغضه لأنه ينطق بغير لغته وإن شاركه أبغضه لأنه يشاركه في حرفته وصناعته! وإذا انتهى الحوار أبغضه لأنه لا يحاكيه في حزبه!
فإن لم يجد شيئاً من هذا ولا ذاك أبغضه لأنه لا يرى شخصاً سواه يجب أن يُنظِّر ويقود الأمة وعلى المثل - يا أرض اشتدي ما حدا عليكي قدّي.
هكذا إذاً فعلت بنا الديمقراطية المزعومة وحرية الرأي المكلومة عبر بعض الفضائيات... تفرح بالسبق الإعلامي لتنشر جراحنا لترسخ فشلنا في أذهان الأجيال من الشباب!
فلماذا لا يرحمون هذه الأمة ولا يرتقون بها ولا يقيمون صلبها حتى يعقروها!
فازدرتها القلوب وتقلصت لتاريخها الشفاه وبرزت لها الأنياب وانقبضت لها السرائر والتهبت لأخبارها الأنظار فسلقونا إعلامياً بألسنة حِداد؟
فمتى يتخلّص الإعلام من لصّ سارق ومحاور يضرب الناس بعضهم ببعض... وتاجر امتهن تعويم الأمة في متاهات الشهوات ليصبح الشرق الأوسط بلا هوية بل هو ماء سبيل في قارعة الطريق!
فما دامت هذه المطالب الباطلة والأحلام الكاذبة... فلا مطمع في سلام ولا أمان ولا أمل في سعادة ولا من هناء ولا فرق بين أمس الدهر ويومه، ولا بين يومه ومستقبله طالما استمرت بعض الفضائيات بهكذا نهج هلامي! «حقاً إذا ارتقى واستقر الشرق الأوسط فقل على مَنْ اتبع هذا النهج من تلك الفضائيات... السلام».