أشار تقرير بنك الكويت الوطني، إلى أنه في ظل اقتراب معدلات التضخم من المستويات المستهدفة، حوّلت البنوك المركزية الرئيسية تركيزها بعيداً عن ارتفاع الأسعار واتجهت نحو حماية آفاق النمو الاقتصادي ودرء أي تهديد بالركود.
وفي الوقت الحالي، تبدو توقعات الهبوط المتدرج في الولايات المتحدة واعدة إذ ما يزال سوق العمل قوياً نسبياً، ومن المقرر أن يبدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة في سبتمبر الحالي.
وفي منطقة اليورو، من المقرر أن يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة مرة أخرى في سبتمبر على خلفية ضعف وتيرة النمو الاقتصادي، وإن كانت معدلاته ما زالت إيجابية، إلا أن معدل تضخم قطاع الخدمات ما يزال مرتفعاً.
أما في اليابان، فيواجه بنك اليابان عملية موازنة صعبة، إذ يسعى لرفع سعر الفائدة في الوقت الذي تقوم فيه البنوك المركزية العالمية الأخرى بخفضها، مما يعرّضه لمأزق الدخول في جولة أخرى من عدم استقرار الأسواق المالية.
وأخيراً، تشير المؤشرات الاقتصادية في الصين إلى ضعف الاداء، إلا أن السلطات لم تقدم بعد دعماً قوياً من خلال سياساتها.
الناتج الإجمالي الأميركي
وسجّل التثرير انتعاشاً قوياً في نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي إلى 3 في المئة (سنوياً) في الربع الثاني من العام الجاري مقابل 1.4 في المئة في الربع الأول من العام، وتشير المؤشرات الرئيسية لارتفاع آخر بمعدل جيد يصل إلى نحو 2 في المئة في الربع الثالث.
وكان الاستهلاك الخاص قوياً بصفة خاصة في الربع الثاني من العام الجاري (2.9 في المئة مقابل 1.5 في المئة في الربع الأول)، بينما تشير مبيعات التجزئة القوية في يوليو (+1 في المئة على أساس شهري) إلى أن النشاط الاستهلاكي لايزال مرناً.
وأشار التقرير في المقابل، إلى ضعف النشاط العقاري، كما واصل قطاع التصنيع انكماشه مع استمرار الاتجاه الهبوطي لمؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات، الصادر عن معهد إدارة التوريدات ISM، وبقائه فوق حاجز الـ 50 نقطة بهامش بسيط.
إضافة لذلك، استمر تراجع سوق العمل تدريجياً كما يتضح من بيانات نمو الوظائف وفرص العمل ومعدل البطالة.
فعلى سبيل المثال، انخفض متوسط نمو الوظائف لمدة 3 أشهر إلى 116 ألف وظيفة شهرياً في أغسطس، ليصل بذلك إلى أضعف مستوياته منذ جائحة كورونا، وارتفع معدل البطالة بمقدار 70 نقطة أساس منذ يوليو 2023 ليصل إلى 4.2 في المئة في أغسطس 2024.
معدل التضخم
من جهة أخرى، تستمر ضغوط أسعار المستهلكين في الانحسار، إذ انخفض معدل التضخم بحسب «نفقات الاستهلاك الشخصي» في يوليو إلى 2.5 في المئة على أساس سنوي والمعدل الأساسي إلى 2.6 في المئة (مقابل 4.2 في المئة قبل عام)، واقترب من مستوى 2 في المئة المستهدف، ما دفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى تحويل تركيزه نحو مهمته الأخرى، أي السعي لتحقيق الحد الأقصى من التوظيف.
التيسير النقدي
ومن الأمور شبه المؤكدة أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ دورة التيسير النقدي في منتصف سبتمبر، إذ من المقرر أن يخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس على الرغم من أن خفضها بمعدل أكبر بمقدار 50 نقطة أساس ليس مستبعداً تماماً.
ويشير سوق العقود الآجلة في الوقت الحالي لتخفيضات تراكمية تتراوح ما بين 100 و125 نقطة أساس بنهاية العام الجاري، إلا أن هذا التوقع يحمل درجة عالية من عدم اليقين.
تجنب الهبوط الحاد
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هنا حول ما إذا كان من الممكن للاقتصاد الأميركي أن يتجنب الهبوط الحاد، أم أنه لن ينجح في تحقيق ذلك.
وخلافاً للسوابق التاريخية في وقت يتسم بتشديد السياسة النقدية بوتيرة حادة، فإن الهبوط الحاد لايزال يبدو في الوقت الحالي أمراً يمكن تجنبه.
السباق الرئاسي
وفي الوقت ذاته، يبدو أن السباق الرئاسي سيكون متقارباً للغاية، ما قد يُساهم في تأجيج أجواء التوتر التي تسود الأسواق المالية حتى يوم الانتخابات.
ومن المرجح أن يؤدي فوز كاميلا هاريس لاختلافات طفيفة في سياسة الديمقراطيين وخططهم الحالية، في حين أن فوز ترامب سيضفي طابعاً أكثر تأييداً لأنشطة الأعمال (من خلال خفض الضرائب واللوائح التنظيمية)، إلا أن فوزه سيؤدي أيضاً إلى زيادة في عدم القدرة على التنبؤ بسياسة الولايات المتحدة، من حيث التجارة والهجرة والمسائل الجيوسياسية العالمية، الأمر الذي سيكون له تأثير قوي على التوقعات الاقتصادية.
منطقة اليورو
تمكّن اقتصاد من تحقيق نمو معتدل بنسبة 0.2 في المئة على أساس ربع سنوي في الربع الثاني من العام الجاري، أي أقل بقليل من 0.3 في المئة المسجلة في الربع السابق.
ويواصل قطاع الخدمات قيادة الانتعاش في ظل ارتفاع مؤشر مديري المشتريات إلى أعلى المستويات المسجلة في ثلاثة أشهر عند 52.9 نقطة في أغسطس بدعم من أولمبياد باريس، في حين بقي مؤشر مديري المشتريات لقطاع التصنيع، وعلى مدار عامين حتى الآن، في منطقة الانكماش. ولاتزال الظروف التجارية ضعيفة نظراً للتوترات مع الصين، مما يُشكّل مخاطر، خاصة على ألمانيا التي يعتمد اقتصادها على الصادرات بشكل كبير.
وعلى صعيد أكثر إيجابية، انخفض تضخم أسعار المستهلكين إلى 2.2 في المئة على أساس سنوي في أغسطس من نطاق 2.4-2.6 في المئة على مدار الستة أشهر السابقة، مسجلاً بذلك أضعف معدل ارتفاع في قرابة ثلاثة أعوام، إلا أن معدل التضخم الأساسي بقي ثابتاً نسبياً عند 2.8 في المئة على أساس سنوي في أغسطس، مع ارتفاع تضخم الخدمات إلى أعلى مستوياته في 10 أشهر عند 4.2 في المئة.
وعزّزت البيانات الأخيرة والتوقعات المتعلقة بالتضخم والنمو توقعات السوق بخفض البنك المركزي الأوروبي لسعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس أخرى، وهو الاحتمال الذي يبدو أكثر ترجيحاً الآن، في اجتماعه المقرر انعقاده في 12 سبتمبر (اليوم الخميس)، بعد خفضه لسعر الفائدة للمرة الأولى بمقدار 25 نقطة أساس في يونيو.
المملكة المتحدة
وفي المملكة المتحدة، اكتسب الانتعاش الاقتصادي بعض الزخم، إذ بلغ نمو الناتج المحلي 0.6 في المئة على أساس ربع سنوي في الربع الثاني من العام الجاري بعد ارتفاعه بمعدل قوي بنسبة 0.7 في المئة في الربع السابق.
إضافة لذلك، قام بنك إنجلترا أخيرا برفع توقعاته للنمو في عام 2024 إلى 1.2 في المئة مقابل 0.5 في المئة في وقت سابق.
وكانت مؤشرات مديري المشتريات الأخيرة قوية، إذ ارتفع مؤشر قطاع الخدمات لأعلى مستوياته في أربعة أشهر عند 53.7 نقطة في أغسطس، بينما سجل قطاع التصنيع أعلى مستوياته في عامين عند 52.5 نقطة، إلا أن الحفاظ على مثل هذا الزخم خلال الأرباع القادمة يعد من أبرز التحديات نظراً لاستمرار ارتفاع أسعار الفائدة، والتشديد المالي، والتباطؤ في سوق العمل. وفي الوقت ذاته، تباطأت وتيرة التضخم الأساسي لأدنى المستويات المسجلة في 34 شهراً عند 3.3 في المئة على أساس سنوي في أغسطس، وتراوح معدل التضخم الكلي ضمن نطاق 2.0 في المئة -2.2% منذ مايو الماضي. وخفض بنك إنجلترا سعر الفائدة الأساسي في يوليو بمقدار 25 نقطة أساس إلى 5 في المئة، لكنه اتخذ موقفاً حذراً في شأن تخفيضات أسعار الفائدة المستقبلية بسبب تضخم قطاع الخدمات الذي لايزال مرتفعاً (5.2 في المئة في يوليو) ونمو الأجور الذي لايزال مرتفعاً أيضاً إلا أنه بدأ يضعف (5.1 في المئة على أساس سنوي في الثلاثة أشهر المنتهية في يوليو).
وبعد الفوز الساحق لحزب العمال في انتخابات يوليو، تعهد رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر بتعزيز النمو، إلا أن الإدارة الجديدة تواجه وضعاً مالياً متوتراً وتتطلع لسد عجز مالي (22 مليار جنيه إسترليني، أو ما يعادل نسبة 0.8 في المئة من الناتج) تزعم أنها ورثته من الحكومة السابقة. وسيتم توضيح تفاصيل الإجراءات المالية «المؤلمة» الواجب تطبيقها في الميزانية المقرر صدورها في أواخر أكتوبر المقبل.
اليابان
رفع بنك اليابان، في أواخر يوليو، سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 0.25 في المئة من نطاق 0 في المئة إلى 0.1 في المئة وتعهّد بخفض مشترياته الشهرية من السندات إلى النصف بحلول الربع الأول من عام 2026، في خطوة نحو إعادة سياسته شديدة التيسير إلى مستوياتها الطبيعية.
وأدت قرارات بنك اليابان المتشددة، إلى جانب المخاوف المتعلقة بركود الاقتصاد الأميركي بعد تقرير الوظائف الضعيف لشهر يوليو، إلى حدوث تقلبات شديدة في الأسواق المالية اليابانية والعالمية، بما في ذلك انهيار الأسهم اليابانية بنسبة 20 في المئة تقريباً خلال يومين فقط، إذ تم تسييل مراكز ما يسمى باستثمارات «تجارة المناقلة» في ظل ارتفاع الين الياباني.
ودفع هذا التصرف مسؤولي بنك اليابان إلى الإعلان عن عدم رفعهم لسعر الفائدة إذا كانت «الأسواق المالية في حالة غير مستقرة»، ما ساعد على استعادة الهدوء النسبي للأسواق المالية في الوقت الحالي.
وكانت بيانات النمو الأخيرة قوية نسبياً، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.7 في المئة على أساس ربع سنوي في الربع الثاني من العام الجاري، والذي يُعد أسرع معدل نمو يتم تسجيله منذ الربع الأول من عام 2023، الأمر الذي عوّض الانكماش المسجل في الربع السابق بنسبة 0.6 في المئة مع ارتفاع الاستهلاك الخاص بعد زيادة الأجور في أبريل.
وتشير المؤشرات الرئيسية إلى أن الأداء القوي قد يستمر في الربع الثالث من العام الجاري في ظل ارتفاع مؤشر مديري المشتريات المركب في أغسطس لأعلى مستوياته المسجلة منذ مايو 2023.
وبلغ معدل التضخم 2.8 في المئة على أساس سنوي في يوليو، مستقراً للشهر الثالث على التوالي، ولكنه كان أعلى من المستوى المستهدف، في حين ارتفع معدل التضخم الأساسي إلى 2.7 في المئة. وبصفة عامة، يفسح المسار الاقتصادي الحالي الفرصة أمام بنك اليابان للبقاء ملتزماً بإعادة سياساته النقدية إلى مستوياتها الطبيعية بوتيرة تدريجية، ما قد يؤدي إلى رفع سعر الفائدة مرة أخرى إما في أكتوبر المقبل أو في يناير 2025.
الصين
ضعف المؤشرات والتوقعات الأخيرة للصين، إلا أن الدعم القوي من السلطات لا يبدو وشيكاً.
نما الاقتصاد الصيني بنسبة أضعف من المتوقع بلغت 4.7 في المئة على أساس سنوي في الربع الثاني من العام الجاري، أي أقل من تقديرات السوق ومن نسبة 5.3 في المئة المسجلة في الربع السابق. وتشير المؤشرات المبكرة للربع الثالث من العام الجاري لاستمرار الأداء الضعيف، ما يظهر تباطؤ الزخم الاقتصادي.
وعلى وجه التحديد، أظهر شهر يوليو تراجع نمو الإنتاج الصناعي والاستثمار في الأصول الثابتة والائتمان على أساس سنوي.
كما ساهمت زيادة النزاعات التجارية الدولية في تصعيد الضغوط على توقعات التصدير مرة أخرى، مع انضمام أوروبا وكندا إلى الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية إضافية على بعض المنتجات صينية الصنع.
من جهة أخرى، شهدت مبيعات التجزئة بعض التحسّن في يوليو، إلا أن معدل النمو لايزال أقل بكثير من الاتجاه السائد قبل الجائحة. إضافة لذلك، كان تضخم أسعار المستهلكين متواضعاً إذ بلغ 0.6 في المئة على أساس سنوي في أغسطس، بينما دخلت أسعار الجملة في حالة من الانكماش منذ ما يقارب عامين. وأخيراً، ارتفع معدل البطالة إلى 5.2 في المئة في يوليو في ظل تزايد معدلات بطالة الشباب بمستويات حادة، في حين أن قراءة مؤشر مديري المشتريات العام لشهر أغسطس (50.1 نقطة) وصلت لأدنى المستويات المسجلة منذ ديسمبر 2022.
وعلى صعيد السياسات، خفّض البنك المركزي أسعار الفائدة على العديد من أدوات السياسة بمقدار 10-20 نقطة أساس في يوليو، إلا أنه أبقاها ثابتة في أغسطس.
وتتطلب التوقعات الاقتصادية الضعيفة، بما في ذلك مشاكل قطاع العقارات المستمرة وظروف عدم اليقين على المستوى العالمي، اتخاذ تدابير تحفيزية أكثر قوة وأوسع نطاقاً، إلا انها لا تبدو وشيكة حتى الآن. وبالتالي، فإن مستوى النمو المستهدف من قبل الحكومة «نحو 5 في المئة» لعام 2024 يبدو متفائلاً.
الهند
تباطأت وتيرة النمو الاقتصادي في الهند إلى 6.7 في المئة على أساس سنوي في الربع الأول من السنة المالية 2024-2025 مقابل 7.8 في المئة في الربع السابق، على خلفية التباطؤ الحاد للإنفاق الحكومي بسبب الانتخابات خلال هذا الربع، إلا أن النشاط الأساسي بقي قوياً، إذ ارتفع نمو الاستهلاك الخاص إلى أعلى مستوياته المسجلة في سبعة أرباع عند 7.6 في المئة مقابل 4.3 في المئة في الربع السابق. إضافة لذلك، فإنه مع تزايد معدل هطول الأمطار الموسمية عن المعدلات الطبيعية حتى الآن هذا الموسم، فمن المرجح أن يرتفع الإنتاج الزراعي، وبالتالي الاستهلاك الريفي، الأمر الذي من شأنه أن يعزّز آفاق النمو للفترة المتبقية من السنة المالية الحالية (من المتوقع أن يبلغ نحو 7 في المئة).
وفي الوقت ذاته، انخفض التضخم لأدنى مستوياته المسجلة منذ خمسة أعوام تقريباً عند 3.5 في المئة على أساس سنوي في يوليو مقابل 5.1 في المئة في يونيو فيما يعزى بشكل أساسي إلى تأثير قاعدة الأساس، ولكن من المرجح أن يرتفع في ظل استمرار تزايد أسعار المواد الغذائية على أساس شهري. ونتيجة لذلك، احتفظ البنك المركزي بموقفه الحذر، إذ أبقى على سعر إعادة الشراء ثابتاً للمرة التاسعة على التوالي عند 6.5 في المئة في أغسطس.
وعلى الصعيد السياسي، تولى ناريندرا مودي منصب رئيس الوزراء للمرة الثالثة على التوالي، وإن كان بغالبية برلمانية أقل من فترات الولاية السابقة. وأدى انخفاض عدد مقاعد الحزب الحاكم في البرلمان بالفعل إلى تراجع الحكومة عن العديد من البنود المدرجة ضمن جدول أعمالها، مثل إصلاحات المعاشات التقاعدية المقترحة، والعودة إلى آلية المزايا المحددة، بالإضافة إلى إلغاء إصلاح آلية ضريبة الأرباح الرأسمالية.