اتخذ ملف ملاحقة الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، المدعى عليه بجرم اختلاس أموال عامة وتزوير وتبييض أموال والإثراء غير المشروع، منحى جديداً أمس مع صدور مذكرة توقيف وجاهية بحقه.
وكان سلامة احتُجز احترازياً في 3 سبتمبر بقرار من النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار في خطوةٍ بدت صادمةَ بحقّ من يوصف بأنه «الصندوق الأسود» لغالبية الطبقة السياسية الحاكمة، وأحيل في اليوم التالي على النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم الذي ادعى عليه بجرائم الاختلاس والتزوير والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، وأَودع الملف لدى قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي طالباً استجواب الحاكم السابق وإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه.
وعند العاشرة من صباح أمس تم استجواب سلامة من القاضي حلاوي وأصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه. علماً أن الجلسة حضرها وكيله القانوني المحامي مارك حبقة ووكيل عن مصرف لبنان الذي كان ادعى على حاكمه السابق وكل مَن هو متورط في هذا الملف الذي وفّر «المركزي» الداتا الخاصة به للقضاء.
واعتبر حبقة بعد الجلسة ان «استجواب سلامة هو إجراء عاديّ، والقاضي ملزم بإصدار مذكّرة توقيف وجاهيّة كي يستكمل الاستجواب لاحقاً». وقال في حديث لتلفزيون «ام تي في»: «ظروف الجلسة لم تكن طبيعيّة بسبب تضليل الرأي العام من الإعلام وتصوير سلامة كأنّه فار من العدالة في الوقت الذي أتى فيه بإرادته إلى الجلسة».
ومعلوم أن استجواب سلامة لمدة نحو ساعة و45 دقيقة تمحور حول حساب «الاستشارات» في المصرف المركزي وشبهات استخدامه لتحقيق أرباح شخصية، وتحديداً عملية شملت تحويل 42 مليون دولار من هذا الحساب الذي كانت تتم عبره أيضاً العمليات التي اشتملت على عمولات مضّخمة لشركة «أوبتيموم» التي تقدم خدمات الوساطة في الدخل وتعاملتْ مع البنك المركزي لشراء وبيع سندات الخزانة وشهادات الإيداع بالليرة.
وفي حين حدد القاضي حلاوي موعداً جديداً لاستكمال استجواب سلامة بعد غد الخميس، فإن مسارَ ما بعد مذكرة التوقيف الوجاهية مفتوح على إمكان استئناف الحاكم السابق قرار التوقيف أمام الهيئة الاتهامية.
وكان سلامة أُحضر موقوفاً إلى قصر العدل في بيروت من مكان مكوثه في زنزانة خاصة بكبار الشخصيات في مقر قوى الأمن الداخلي، وذكرت تقارير («العربية») أنها مزوّدة بثلاجة ومكيف وهاتف أرضي، للمثول أمام قاضي التحقيق الأوّل وسط إجراءات أمنية مشدّدة وتنفيذ عدد من المواطنين والمودعين الذين خسروا أموالهم جراء الانهيار المالي المتدحرج منذ خريف 2019، وقفةً احتجاجية أطلقوا خلالها هتافات «حرامي حرامي» ورفعوا لافتات بينها «لا لمنع المودعين من استرداد أموالهم».
ويُذكر أن هذه القضية منفصلة عن الملفات الأخرى المرتبطة بسلامة أمام القضاء في لبنان والخارج. فمنذ ثلاثة أعوام، يشكّل «الحاكم» محور تحقيقات محلية وأوروبية تشتبه بأنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية بشكل غير قانوني، وأساء استخدام أموال عامة على نطاق واسع خلال توليه حاكمية «المركزي» (تولاه بين 1993 و2023)، عدا عن تحويله الأموال إلى حسابات في الخارج و«الإثراء غير المشروع» خصوصاً عبر شركة «فوري» المسجّلة باسم شقيقه رجا (الملاحَق بدوره قضائياً).
وبناء على التحقيقات، أصدرت قاضية فرنسية في باريس والمدعية العامة في ميونيخ العام الماضي مذكّرتَي توقيف في حق رياض سلامة جرى تعميمهما عبر الإنتربول. وقرّر القضاء اللبناني بناء عليهما منعه من السفر وصادر جوازَي سفره اللبناني والفرنسي. إلا أن النيابة العامة في ميونيخ ألغت في يونيو مذكّرة التوقيف، لأنه «لم يعد يشغل منصب حاكم مصرف لبنان المركزي وبالتالي لم يعد هناك أي خطر (...) باتلاف أدلة». كما فرضت الولايات المتحدة إلى جانب كندا والمملكة المتحدة، عقوبات اقتصادية على سلامة وعلى أفراد في عائلته لشبهات فساد، بما في ذلك تجميد أصولهم في البلدان الثلاثة.