لطالما كانت الولايات المتحدة لاعباً رئيسياً في تقديم المساعدات العسكرية والمالية لحلفائها وكانت أوكرانيا وإسرائيل من أبرز المستفيدين.

ورغم ان كلاً من الدولتين تتلقى دعماً مالياً وعسكرياً كبيراً فإن طبيعة العلاقة والصراع، فضلاً عن الأهداف الإستراتيجية وراء هذه المساعدات تختلف بشكل كبير.

فالمساعدات لأوكرانيا موجهة ضدّ روسيا ومع دعم المعايير الدولية وهدفها رصُّ صفوف حلف شمال الأطلسي «الناتو» ومعاودة تأكيد الهيمنة الأميركية على القارة الأوروبية. بينما تهدف المساعدات لإسرائيل إلى دعم حليفٍ إستراتيجي من دون الالتفات إلى المعايير الدولية وإلى لحفاظ على هيمنة تل أبيب وتفوّقها العسكري في الشرق الأوسط.

عند النظر إلى سياسة المساعدات الخارجية التي تعتمدها الولايات المتحدة، يتّضح أن نهج الواقعية السياسية المتعلق بالقوة المهيمنة والمصلحة الوطنية يَفرض نفسه على تصرف الولايات المتحدة، أكثر من معايير احترام حقوق الإنسان والقوانين الدولية.

ففي أوكرانيا على سبيل المثال، تؤكد واشنطن أهمية الحفاظ على السيادة والقانون الدولي رداً على الغزو الروسي.

أما في إسرائيل التي ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتحتل غزة وتقتل المدنيين، فإن واشنطن لا تنظر إلى ما تعتبره «تفاصيل». بل ان الأولوية هي لشراكتها الإستراتيجية مع تل ابيب والتفوق العسكري للأخيرة وتوسعها غير الشرعي من خلال بناء مستوطنات في الضفة والقدس الشرقية واحتلالها لأراضٍ لبنانية وكذلك للجولان السوري.

ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، تعهّدت الولايات المتحدة بأكثر من 75 مليار دولار من المساعدات المالية - العسكرية، بمعدل 1.9 مليار شهرياً.

وهذا شمل أنظمة صواريخ HIMARS وصواريخ «باتريوت» وعربات مدرّعة ودعما لوجستيا. وهَدَفَ هذا الدعم لتعزيز قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها وإضعاف القدرات العسكرية الروسية.

إذ يُنظر إلى هذا الصراع على أنه حاسم لتثبيت الهيمنة الأميركية على أوروبا الشرقية وتمدُّدها نحو أوروبا الغربية.

فبعدما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2018 أن «حلف الناتو في حال موت سريري» وان «أوروبا تحتاج إلى جيشٍ ليحميها من الأعداء بما فيهم أميركا»، أصبحت الحرب الروسية ضرورةً إستراتيجية للولايات المتحدة لمعاودة السيطرة على كامل أوروبا وضرْب الاقتصاد الروسي وتوجيه رسالة للصين لحيال ما يمكن ان ينتظرها إذا خرجت على الهيمنة الأميركية.

إلا ان أوكرانيا تُعتبر حالة مستجدة حتى ولو بدأ العمل الأميركي عليها منذ عام 2008 واشتدّ منذ 2014 وليومنا هذا.

أما إسرائيل فتُعتبر حليفاً قديماً ودائماً لأميركا، والمساعدات المقدَّمة هي جزء من التزام إستراتيجي طويل الأمد بلغ إجماله 185 مليار دولار (مع إحتساب معدل التضخم) منذ عام 1970.

فقد قرر الرئيس باراك أوباما تقديم مساعدة قيمتها 3.8 مليار دولار سنوياً ولمدة عشر سنوات لإسرائيل، بمعدل 317 مليون دولار شهرياً.

إلا أن الرئيس جو بايدن أضاف عليها 26 مليار دولار خلال الحرب الدائرة. وتدعم هذه المساعدات نظامَ الدفاع الصاروخي والقبة الحديدية ومقاتلات «إف - 35» والتعاون الاستخباراتي لضمان التفوق الدائم لإسرائيل التي تحارب مجموعات غير نظامية. وتُعتبر هذه حرب غير متكافئة لا ترقى للتحديات التي تجابهها أوكرانيا.

ويأتي الدعم الأميركي لإسرائيل من زاوية ايديولوجية أيضاً من قبل المسيحيين الإنجيليين والمجتمع اليهودي الأميركي الذين يمارسون نفوذاً قوياً على السياسة الأميركية الخارجية وصانعي السياسات والقرارات على الرغم من خرق إسرائيل لجميع القوانين الدولية وارتكاب الجرائم بشكل عقاب ومَجازر جماعية.

ومهما كانت نتائج الحرب في أوكرانيا ومهما ارتفعتْ الخسائر الأوكرانية في البنى التحتية أو الأرواح، فإن أميركا تَعتبر انها الحرب الأرخص التي تخوضها بالوكالة. وما دامت كذلك، فإن المساعدات العسكرية لن تتوقف حتى نفاذ القوة البشرية الأوكرانية المُحارِبة.

بينما ترى أميركا ان وجود إسرائيل على أرض فلسطين ضروري، ايديولوجياً. إضافة إلى ذلك، فإن قوة إسرائيل من قوة أميركا التي تَعتبرها حاملة طائراتٍ ترسو على أرض ثابتة في الشرق الأوسط.

ولذلك فإن الخسارة الإسرائيلية ممنوعة لأنها تُعتبر خسارة للهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط. ومن هنا لن تتردد واشنطن في الذهاب إلى الحرب مباشرة إذا تعرّضت إسرائيل لخطرٍ وجودي يدفع سكانها ومستوطنيها للمغادرة. ولهذا فإن هناك فارقا شاسعاً بين الطرفين الأوكراني والإسرائيلي على مستويات عدة.