سخّر الله تعالى لأمتنا أئمة قدماء، أصحاب مدارس فقهية، امتلأت قلوبهم بالتقوى، وعقولهم بالعلوم، ولم تكن للدنيا لذة في حياتهم، فجعلهم الله تعالى مدارس ترفع الأمة بعلمها... مدارس عريقة زاخرة أظهرت ما خفي علينا من أحكام، وما يتوافق مع مصلحة الزمان والمكان، وتيَسّر نقل تلك الآراء عن طريق المعاصرين الثقات المؤهلين؛ فبلغوها للبشر بكل أمانة؛ فالعاقل من يَعلم أن استنباطات كبار الفقهاء لا يمكن الاستغناء عنها، ومع تطور الحياة تُقاس الأمور بعقلانية سار عليه القدماء.

احترام أقوال الفقهاء واجب، وللأسف أنه قلّ في زماننا، حيث ظهر دعاة يستخفّون بأقوال الأئمة ومكانتهم؛ فإنهم يسيرون حسب هواهم وما يتفق مع عاداته، فمنهم من يتجرّأ ويضحك عندما يُذكر رأي إمام كبير مخالفا لرأيه، فهو يظن أنه وُلد بين الأئمة وكان أكثرهم علما!! ويعلق عليهم بأسلوب غير لائق، وكأن القدماء طلبة مبتدئون، والمصيبة أن مع استهزائه بما قاله إمام من المؤسيين لمذهب معتمد، يسير خلفه –الداعية- كثير من طلبة العلم صغار وكبار، يأخذون بآرائه ويرفعونه، وكأنه إمامٌ لمذهب جديد.

وإن ذُكر في مجلسه كلمة: (قال الأئمة، أو قال العلامة من القدماء) صارت ثقيلة وفيها تقليل من شأن الشيخ الذي سمّوه علامة العصر، ولا يذكرون اسمه إلا بألقاب لم نسمعها من بداية الإسلام تعظيماً له، وهي حقيقة لا مبالغة فيها، فقد سمعنا واندهشنا!

كبار العلماء نجوم نوّروا الحياة بعلمهم، وتهميش الدعاة لهم، والترفّع عليهم جريمة عظيمة أصابت الإسلام، ويتوجب كل مسلم - خصوصاً طالب العلم-الحذر مِن مجالسهم وما يعرض من مقاطع يتكلمون فيها حسب ميولهم، وحسب ما يحبون ويكرهون، وعادات تربوا عليها، والأشد من يتفرد بآراء تسبب الجهل والفشل والعداوة والفتن التي تُفكك المسلمين، حتى انها وصلت إلى ضعف العالَم الإسلامي في العصر الحديث، وها هو التفكك والضعف ظاهر منتشر أمام الجميع!