دعوت في مقال سابق، جهاز متابعة الأداء الحكومي - الجهاز التابع مباشرة لمجلس الوزراء - إلى ترقية دوره الرقابي «موقّتاً» إلى أقرب مستوى ممكن من الدور الرقابي النيابي، بما يتّسق مع المادة الثالثة من الأمر الأميري الذي صدر في 10 مايو 2024، بحل مجلس الأمّة ووقف العمل ببعض مواد الدستور لمدّة لا تزيد على أربع سنوات، وهي المادة التي تنص على أن «يتولّى الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخوّلة لمجلس الأمّة».

واليوم، بعد انتهاء أزمة الانقطاع المبرمج في التيار الكهربائي الذي شمل أجزاءً من 55 منطقة، 44 منها سكنية، أجدّد دعوتي لـ«الجهاز» إلى ترقية دوره الرقابي، بتشكيل لجنة للتحقيق في أسباب الأزمة الكهربائية الأخيرة في الكويت، أسوة باللجنة التي كُلّفت هيئة التفتيش المركزي - التابعة لرئاسة مجلس الوزراء اللبناني - بتشكيلها قبل ثلاثة أيّام للتحقيق في أزمة الانقطاع الكلّي في التيار الكهربائي في لبنان.

إلى جانب ممثلين عن الجهات الثلاث، الأطراف في الأزمة، وهي الهيئة العامة للصناعة وشركة البترول الوطنية الكويتية ووزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، ينبغي أن يُشارك في عضوية اللجنة أكاديميون وباحثون من مؤسسات التعليم العالي والمراكز البحثية ذات الاختصاص في الأنظمة والمعدات المشمولة في الأزمة.

فالبيانات الصحافية التي صدرت من الجهات الثلاث، توحي باحتمالية وجود أنظمة أو ممارسات خاطئة هندسياً، من حيث التصميم أو التشغيل، ينبغي كشفها ومعالجتها جذريّاً وفق منهجية علمية تقنية، لتفادي تكرارها.

فعلى سبيل المثال، البيان الصحافي الصادر من الهيئة العامة للصناعة أثار تساؤلات عدة. وجاء في البيان أن انقطاع مياه التبريد عن مصنع إسالة الغاز ومصفاة ميناء الأحمدي، كانا بسبب توقّف مضخّات مياه التبريد في المحطّة الشمالية بمنطقة الشعيبة الصناعية.

كما تضمّن تأكيد الهيئة على «أهمّية زيادة التنسيق المشترك مع الجهات المعنية لتمكينها من عمل الصيانة الشاملة لجميع المعدّات وفق الجداول الزمنية».

وبناء على ما جاء في البيان، وحيث إن الأصل في شبكات مياه التبريد «الحيوية» وجود مضخات احتياطية متصلة بالتوازي بالمضخّات الرئيسية، بحيث يمكن ربطها وعزلها عن مجموعة المضخات العاملة من دون وقف تدفق المياه في الشبكة، أتساءل ما الذي منع الهيئة من صيانة المضخّات بالتوالي (واحدة تلو الأخرى) بالاستعانة بالمضخة أو المضخّات الاحتياطية لتحلّ محل التي تُنقل موقتاً إلى ورش الصيانة؟ ولماذا توقفت المضخّات معاً وانقطع تدفّق مياه التبريد تماماً عوضاً عن اقتصار العطل في مضخة واحدة أو اثنتين وانحصار المشكلة في انخفاض معدّل تدفق مياه التبريد خلال ساعات الصباح «خارج فترة الذروة»؟

لم أطّلع على تقرير فنّي بشأن العطل، ولكنني لا أستبعد أن منظومة المضخات التي تعطّلت كانت أساساً تعاني من خطأ في التصميم، تسبّب بإتلاف محركات (motors) المضخّات الأخرى بعد تعطّل أو توقّف مضخّة واحدة أو أكثر من مضخّات المنظومة، إذ إن توقّف إحدى المضخات في «تشكيلة من مضخات مترابطة بالتوازي» يتسبب بزيادة معدّل تدفّق المياه عبر المضخات العاملة الأخرى، ما يتسبب عادة في زيادة إجهاد محركاتها، وأحياناً تتجاوز هذه الزيادة حدود قدرة المحركات، فتتلف.

ولتفادي هذه الإشكالية ينبغي تزويد المضخات بمحركات أكبر، بمقدار يُحدد بناءً على تفاصيل شبكة الأنابيب وبالاستعانة بخرائط أداء المضخات.

وإلى جانب العنصر الأكاديمي، ينبغي أن تراعى معايير الشفافية والنزاهة في تشكيل وعمل لجنة التحقيق، بحيث لا تكون التشكيلة منحازة لصالح طرف على حساب أطراف أخرى، ولا يكون تقريرها مُضلّلاً، يتستر على المُقصّر الرئيسي، من خلال الإفراط في عرض الأخطاء الطفيفة والتفريط في عرض الجسيمة، على غرار العديد من تقارير لجان التحقيق البرلمانية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com