بذكريات مليئة بالتحديات والإثارة، تحل الذكرى الخمسون على تأسيس النادي العلمي الكويتي، الذي دشنت مسيرته بإشهاره في 11 أغسطس 1974، لينطلق نحو أرحب الآفاق في مجال تأهيل وثقل وبناء القدرات العلمية لأبناء وبنات الكويت من الناشئة والشباب ولجميع الفئات العمرية، بداية من الأعمار الصغيرة وصولاً إلى الهواة والمبدعين من الأعمار الكبيرة.

وبنظرة تأمل، تظهر جلية الإنجازات الضخمة لتلك المؤسسة العلمية المرموقة التي باتت الأميز والأشهر، ليس فقط وطنياً، بل تجاوزت الحدود الإقليمية حتى صارت ذات مكانة عالمية يشار لها بالبنان.

ونحن بصدد تأمل اليوبيل الذهبي للنادي العلمي الكويتي يأخذنا البحث والتوثيق نحو التقليب في الصفحات التاريخية لهذا المرفق الوطني صاحب البصمة على الآلاف من أبناء الوطن، عندما ترك النادي أثره الواضح على مستقبلهم العلمي، بل ومُشكلّاً له من واقع تحويل هواياتهم العلمية إلى مهن وتخصصات عملية.

«الراي» التقت بأحد مؤسسي النادي العلمي وصاحب «الفكرة»، والمحاولات الأولى، حتى بات «الحلم» حقيقةً وواقعاً ملموساً، داود سليمان الأحمد الذي اشترك مع زميله المهندس عدنان يوسف المير في تأسيس النادي.

الأحمد الذي يعتبر صاحب العضوية رقم (1) بين آلاف الأعضاء السابقين والحاليين والمقبلين، تلقى تعليمه في الكويت حتى أنهى الدراسة في الكلية الصناعية، وابتعث لاستكمال دراسته الجامعية في مصر ونظراً للظروف الصحية لوالديه فقد آثر العودة وقطع الدراسة، ثم ابتعث لاحقاً للدراسة في الولايات المتحدة، حيث حصل على دبلوم التربية العملية من جامعة كاليفورنيا، وعمل في وزارة الداخلية وإدارة التحقيقات ثم مدرساً للدراسات العملية في وزارة التربية، ثم موجها، وتفرغ للعمل بالنادي العلمي الكويتي لأكثر من 25 عاماً كأمين عام... وفي الحوار التالي يمكن التعرف على تفاصيل تأسيس وإشهار النادي:

• أستاذ داود، كيف تصف شعورك الشخصي تجاه بلوغ النادي يوبيله الذهبي؟

- في واقع الحال تختلط عندي المشاعر الوطنية منحصرة في الرغبة الشديدة لتقديم عمل وطني أخدم به بلدنا الحبيب الكويت، ومن ثم يكون النادي العلمي صاحب لبنة من لبنات بنيان أبنائه من الهواة والمبدعين والدارسين والمبتكرين بمختلف الأعمار، ومن قبل ومن بعد هذا عمل نبتغي به وجه المولى تعالي، كما أنني أتعايش مع كون النادي العلمي بمثابة ابن من أبنائي، فلقد ولد ونما وكبر أمام عيني وأعين زملائي المؤسسين الأوائل وزملائي أعضاء مجالس الإدارات التي تواكبت وتتابعت على قيادته وإدارته طوال مسيرة 50 عاماً.

وليأخذنا التقصي والتوثيق إلى استذكار المحاولات المتتالية والمتعاقبة حتى التأسيس والإشهار.

بداية الفكرة

• كيف بدأت قصة تأسيس النادي العلمي الكويتي؟

- بدأت قبل أكثر من 16 عاماً من الإشهار الرسمي له وذلك باهتمامات راودتني عندما كنت طالباً صغيراً في المرحلة المتوسطة، وتحديداً في مدرسة حولي المتوسطة للبنين، حيث كنت دائم التفكير في القضايا العلمية ومنها التأمل الدائم في كيفية عمل الأجهزة العلمية التي كانت قد بدأت تنهال على المجتمع الكويتي بعد الاستقلال وزيادة الإيرادات المالية نتيجة الثروة النفطية، ومن هذه الأجهزة التمديدات الكهربائية والتلفاز والهاتف والراديو وغيرها.

لم أجد إشباعاً لهذه الرغبة، إلا أن أبدأ بالمشاركة بالأنشطة المدرسية علها تكون السبيل لاستيعاب هذه التكنولوجيا فالتحقت بعدد من الأنشطة الاجتماعية بالمدرسة والتي كانت تسمى آنذاك بالجماعات، وكان من أهم هذه الجماعات التي التحقت بها جماعة هواة التصوير ناهيك عن جماعات علوم الأحياء والكيمياء وغيرها.

في العام 1958 سمعت ولم يكن يتجاوز عمري آنذاك 13 عاماً نداءً بالإذاعة المدرسية يدعو للمشاركة في نشاط الكشافة، فكان أن التحقت به فوراً آملاً أن أجد فيه إشباعاً ذاتياً جديداً لم يكن قد وجدته في الجماعات الأولى، وبالفعل كان لي جزءاً مما طلبت، فقد كانت الحركة الكشفية في ذلك الوقت في ذروة تألقها حيث ساهمت في تخريج نخب من القيادات التي كان لها تأثير بارز في دعم التنمية في الكويت في ما بعد حيث تبوأوا الكثير من المراكز القيادية البارزة، فاكتسبت بالمشاركات الخارجية والداخلية العديد من الخبرات والمهارات كان من أبرزها الحصول على الشارات العلمية والفنية والحرفية.

وفي العام 1959 تبلورت أولى تطلعاتي حين طلب مدرس اللغة العربية من تلاميذ الفصل كتابة تعبير حر، وهو ما وجدت فيه فرصة سانحة للتعبير عن خواطري وآمالي، فكان أن كتبت رسالة عنوانها بعبارة، (إلى صديقي عمر)، وضمنتها بعد التحية والتقدير أملي في أن يحقق الله لي رجائي في أن يرزقني بمليون روبية حتى أتمكن من إنشاء نادٍ علمي يشمل أنشطة علمية متنوعة يجتمع فيها الهواة والمبدعون لقضاء وقت فراغهم بصورة هادفة.

المحاولة الأولى

• وماذا عن المحاولة الأولى للتأسيس؟

- استمرّت محاولاتي في التوسع بحلمي الشخصي حتى قررت أن أقوم بأول محاولة لتحقيقه، حسب ما قدر لي وحسب الإمكانيات والبيئة التي تحيط بي وكان ذلك في العام 1959 حين اقترحت على وكيل المدرسة أن يتم تأسيس نادٍ علمي داخل المدرسة بهدف تنمية وتأهيل قدرات وإمكانات الطلبة وشغل أوقات فراغهم بالفائدة، ولكن كان لذلك الوكيل رأي آخر، فقد طلب مني الالتحاق بالمجموعات ذات الأنشطة العلمية التي تحقق رغباتي.

المحاولة الثانية

• وعن المحاولة الثانية للتأسيس... ماذا تقول؟

- لم يجد اليأس طريقه لي ولم تفتر عزيمتي ويقل إيماني بصحة وصواب فكرتي وأملي، فقد أصررت على الاستمرار بالسعي لتحقيقها حسب الظروف المحيطة بي، وأعدت المحاولة مرة أخرى بعد 12 عاماً من محاولتي الأولى وكان ذلك في العام (1971) بعد أن انتسبت لفرقة الجوالة، فكان أن قررت طرح الفكرة على المسؤولين في الحركة الكشفية والتي كانت تتبع آنذاك لإدارة رعاية الشباب في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بصفتي الشخصية حيث طالبت بتبني الوزارة لفكرة إنشاء نادي علمي بدولة الكويت يزاول نشاطه بصفة موقتة في نادي الجوالة إلى حين تطور العمل بهذا النادي واستقلاله في ما بعد، وهو ما تم وصفه في الوثيقة التي أرسلت إلى الوزارة في ذلك الوقت بعبارة «مسؤولية إنشاء النادي العلمي الكبير في المستقبل».

تبع ذلك الرد السلبي من قبل إدارة رعاية الشباب بوزارة الشؤون زيادة في تصميمي وإيماني بأهمية الفكرة التي أحملها، ساهم في ذلك انتسابي للكلية الصناعية التي بدأت في تغذية فضولي وشغفي بالمعرفة العلمية وفق الحكمة القائلة «كلما ازددت علماً ازداد علمي بجهلي»، فاستغللت الفترة الدراسية المتبقية لي في الكلية الصناعية وبدأت في التردد على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بعد وصولي لقناعة تامة بحتمية إنشاء النادي العلمي كجمعية نفع عام، وأدركت من خلال هذه الزيارات جميع الضوابط والشروط الخاصة بالوزارة لقبول إنشاء النادي العلمي تحت مظلتها كجمعية نفع عام.

وانتظرت انتهاء امتحانات السنة النهائية وكلي عزم على المضي بأملي وتنفيذ حلمي، وفي اليوم الأخير من الامتحانات النهائية للتخرج بدأت في تحقيق أولى مراحل العمل، وذلك عندما تقدمت في ذلك اليوم مباشرة وبصفتي الشخصية باستقطاب دعم شعبي وأكاديمي ورسمي يتمثل في الانضمام لدعم الطلب الرسمي الذي تقدمت به لوزارة الشؤون لإنشاء ناد علمي بدولة الكويت، حيث أبدت الوزارة موافقتها المبدئية على الطلب على أن أرفق معه كشفاً معتمداً بأسماء مجموعة من المواطنين يطلق عليهم «المؤسسون» وهنا فاتحت أخي وصديقي وزميلي في الحركة الكشفية عدنان يوسف المير بهذا الموضوع وكانت الرحلة الطويلة في مسار التأسيس والعمل التطوعي لقيام ناد علمي في الكويت.

وتقدمت بطلب مقابلة أول شخصية اجتماعية لدعوتها للمشاركة في إنشاء النادي العلمي، وبالفعل كانت خير انطلاقة ودعم معنوي لمسيرة التأسيس، حيث قابلت في ذلك اليوم المرحوم بإذن الله تعالى الأستاذ أنور عبدالله النوري أمين عام جامعة الكويت آنذاك، الذي استحسن الفكرة وتحمس لها وأكد ضرورة دعمها، حيث بادر في نفس الجلسة وبناء على طلبي بتزكية من يجد فيهم الارتباط بهذا المشروع بالاتصال بمدير عام معهد الكويت للأبحاث العلمية آنذاك الدكتور محمد الشمالي للمشاركة في قائمة المؤسسين، وبالفعل وافق الدكتور محمد الشمالي فكان ثالث اسم في لائحة المؤسسين بعد كل من الأستاذ أنور النوري والمهندس عدنان يوسف المير، وجاء الدعم الكبير للائحة المؤسسين بموافقة وزير الدولة الأسبق لشؤون مجلس الوزراء عبدالعزيز حسين رحمه الله على المشاركة في دعم الفكرة.

ولقد حملت الرسالة المقدمة لوزارة الشؤون بطلب تأسيس النادي العلمي الكويتي عبارات تنم عن مدى الرغبة التي كنت أعيشها لتحقيق هذا الحلم منذ العام 1959 وحتى تاريخ تقديمي لهذا الطلب.

نخبة وطنية

• في هذا السياق ماذا تقول عن تلك النخب الوطنية الذين حملوا صفة «مؤسسي النادي العلمي الكويتي»؟

- لقد حرصت على أن تكون قائمة المؤسسين المشاركين في إنشاء النادي العلمي من قيادات وفعاليات المجتمع المشهود لها بالكفاءة العلمية والحضور الاجتماعي، ليكون ذلك دافعاً إضافياً وتأكيداً على أهمية هذه الفكرة من ناحية وتقليلاً من فرص الرفض من ناحية أخرى.

الإشهار الرسمي

• وماذا عن مرحلة الإشهار الرسمي لتلك المؤسسة الوطنية العلمية؟

- بعد عامين من الجهود المتواصلة لاستقطاب المؤسسين وإقناعهم بجدوى وأهمية المشاركة في إنشاء النادي العلمي الكويتي، ظهرت بوادر الإنجاز بعد أن قُدّم كتاب رسمي لوزارة الداخلية بناءً على شروط وضوابط التأسيس الخاصة بوزارة الشؤون، وجاءت الموافقة من وزارة الداخلية بعدم اعتراضها على الأسماء المشاركة بالتأسيس، وأعقب ذلك لاحقاً تقديم أسماء المؤسسين رسمياً لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مطالبين بإنشاء جمعية نفع عام تحت مسمى النادي العلمي، مرفقين كشفاً موقعاً بأسماء المؤسسين وموافقة وزارة الداخلية عليها، بالإضافة إلى النظام الأساسي المقترح للنادي، كما تم إعداد استبيان متخصص حول عنوان «مشروع إنشاء نادٍ علمي للشباب».

أبرز المؤسسين

أكد داود الأحمد أن النجاح الذي تحقق بإيمان وثقة الشخصيات الوطنية كان دافعاً لمشاركة نخبة لا تقل عنها تأثيراً وأهمية وإيماناً بفكرة تأسيس النادي العلمي، نذكر منها شخصيات كانت لها بصمات واضحة وتأثير بالغ في مسيرة النادي العلمي لاحقاً مثل الأستاذ أنور عبدالله النوري والمهندس عدنان يوسف المير والشيخ صباح حمود الصباح والمهندس عبدالله عبدالمحسن الشرهان والدكتور محمد الشمالي والشيخ فهد يوسف الصباح والدكتور رشيد حمد الحمد والدكتور مساعد الهارون والدكتور علي الشملان وكذلك زملاء العمل اليومي عبدالله المسباح وأمير المسقطي وزيد أحمد القويعي وعبدالحسين اليتيم ومبارك زيد القريان وحمد العتيقي والكثير ممن شاركونا العطاء في بناء النادي.

تزكية أول مجلس إدارة

أبدت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل موافقتها على إنشاء النادي العلمي كجمعية نفع عام بعد عامين من الجهود المتواصلة لتأسيس النادي، وأعقب ذلك اجتماع المؤسسين مع ممثل وزارة الشؤون في مكتب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عبدالعزيز حسين (رحمه الله) حيث تم في ذلك الاجتماع تزكية أول مجلس إدارة في تاريخ النادي العلمي الكويتي، وتزكية المناصب الإدارية لذلك المجلس.

تعلم ذاتي مساند للمناهج الدراسية

أعرب الأحمد عن تهنئته الجميع قيادة وحكومة وشعباً ببلوغ النادي العلمي الكويتي يوبيله الذهبي ومواصلة مسيرته الخمسينية متألقاص ومواكباً للعلوم والتطبيقات العصرية، منتهجاً لآليات التعلم الذاتي والتعليم اللاصفي المعاضد والمساند للمناهج الدراسية والعلمية المعتمدة.

بصمات واضحة للقيادات

أشاد الأحمد بجهود جميع القيادات في الدولة التي آمنت بفكرة تأسيس النادي، ومن ثم أسهمت ببصمات واضحة في وضع لبناته يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام.

الشفاء العاجل لرفيق الدرب عدنان المير

توجه الأحمد بالدعاء إلى الله تعالى بأن يمن بالشفاء العاجل لرفيقي دربه المهندس عدنان يوسف المير الذي يعالج حالياً خارج البلاد.

وأضاف أنه «ما كانت لتتم تلك الإنجازات لولا الله تعالى وتوفيقه سبحانه ثم المشاركة المباشرة من قبل المير في مراحل تطوير النادي العلمي منذ انشائه عام 1974 وحتى انتهائنا من مهام عضوية مجلس إدارة النادي العلمي الكويتي».