أعطت الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، الأوامر للجيش بالتحضير لخطط الحرب على لبنان واحتمال القيام بـ «عمليات قتالية لأيام عدة»، كما قال مسؤولون إسرائيليون، وذلك بعدما وصلت الحرب على قطاع غزة، إلى مستوى المعارك الصغيرة والعمليات المحدودة الخاطفة والمتكرّرة.

وقالت مصادر مطلعة، إن تدابير عدة اتُخذت لاحتمالٍ جدي بأن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربات جوية متعددة لبنك أهداف غني - من دون أي احتمال لاجتياح بري - يُعدّ بالآلاف، لأيام عدة.

وهذا الاحتمال الواقعي يأخذ في الاعتبار الخسائر البشرية المدنية ولو بالعشرات أو حتى المئات، كلما وجدتْ إسرائيل هدفاً ثميناً لاغتياله على كل الأراضي اللبنانية من دون استثناء أي مدينة في العمق اللبناني.

وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد، مع إصرار نتنياهو على البقاء حتى نهاية ولايته في أكتوبر العام 2026، أن الحربَ الشاملة التدميرية، ما هي إلا مؤجَّلة، خصوصاً أن إسرائيل تستعدّ للردّ على ردّ «حزب الله» وإيران، وأن عودة أكثر من مئة ألف مهجر إسرائيلي - بسبب الحرب التي دمر فيها الحزب المستوطنات على الحافة الأمامية - إلى الشمال، على الحدود مع لبنان، لن تتحقق من دون معركة عسكرية تحاول فيها إسرائيل فرض واقع تفاوضي جديد.

وكان «حزب الله» كشف قبل أيام عن جزء صغير من ترسانته العسكرية من خلال إعلامه الحربي بعنوان «جبالنا خزائننا»، يُظْهِر فيه منشأة لإطلاق الصواريخ المتوسطة المدى B-302، M-302، R10 والمعروفة أيضاً باسم «خيبر - 1».

وهي صواريخ سورية الصنع معدَّلة لتصبح دقيقة الإصابة ومزوّدة بجهاز تحكّم وبحث عن الهدف متطوّر، ويصل مداها الأقصى بين 100 إلى 150 كيلومتراً.

وقد أظهرت الصور، راجمات مؤلفة من 6 صواريخ وأخرى تحمل صواريخ فردية، ومنشأة تحت الأرض منحوتة تحت الجبال في جنوب لبنان، نظراً لمسافة الصواريخ متوسطة المدى.

ويَكشف الإعلام الحربي التابع لـ «حزب الله» عن رسال مبطنة، أهمها أن الحزب - بحسب المصادر - لا يريد الحربَ الشاملة ولكنه مستعدّ لإيذاء إسرائيل التي تملك ترسانة ضخمة جداً من الصواريخ وسيطرة لسلاح الجو.

ولدى الحزب القدرات التدميرية التي تفرض معادلة نسبية لتنفيذ وعْده والذهاب أبعد من ذلك إذا توجب الأمر بتصعيدٍ تدريجي لا يصعب احتواؤه ويمنع أي «نصر واضح ومطلق» يهدف إليه نتنياهو.

وهناك دلائل أخرى على أن معادلة الصواريخ موجَّهة نحو حيفا بالدرجة الأولى - بحسب المسافة إذا استُخدمت فقط هذه القاعدة المنحوتة في الجبال - وبدرجة مبدئية من دون الحاجة لإظهار قدرات أخرى لصواريخ تصل لمدى أبعد مثل «الفاتح 110 - أم» وغيرها من الصواريخ الثقيلة الدقيقة الإصابة وبعيدة المدى.

وهذا يدلّ على أن المقاومة في لبنان تملك صواريخ متعددة الاستخدام وفي منشآت عدة أخرى تُعد بالعشرات في جنوب لبنان والبقاع وعلى الحدود اللبنانية - السورية في السلسلة الجبلية الشرقية.

ويهدف «حزب الله» لإظهار بعض من قدراته الصاروخية المحصّنة التي تمنع إسرائيل من استهداف الوحدة المخوّلة بالرمي المباشر، خصوصاً أن هذه المنشآت بُنيت بتخطيط هندسي متطور يحدّ من الخسائر البشرية ويوزّع الضغط الناتج عن الانفجارات عند تلقي الضربات، يوم تُطلق الصواريخ ويأتي الردّ من إسرائيل التي تخولها التكنولوجيا والأقمار الاصطناعية من تحديد مكان الاطلاق.

وتعلم المقاومة الإسلامية في لبنان، أن إسرائيل لابدّ لها أن تلجأ لاغتيالات أخرى لقادة معنيين بالحرب عليها ضمن منطقة الاشتباك، وأن من الممكن أيضاً أن تلجأ، عاجلاً أم آجلاً، لاغتيالات داخل مناطق اعتُبرت خارج دائرة الاستهداف منذ بداية الحرب.

ذلك لأن نتنياهو يشعر بفائض القوة من خلال وجود قوات أميركية وأخرى في حلف «الناتو» في الشرق الأوسط لتدافع عن إسرائيل وتشارك معها في حرب أوسع كاحتمال غير مستحيل.

وقد أكدت المصادر، أنه تم رصْد على الأقل، 3 قطع بحرية أميركية قرب المنشآت الغازية الإسرائيلية في البحر المتوسط لحمايتها من الصواريخ المجنّحة التي يملكها «حزب الله» والتي تُعتبر متقدمة جداً ولم تُستخدم في أي حرب شرق أوسطية لغاية اليوم.

وهذا الاستعداد يلتقي مع قرار الخطوط الجوية الأميركية - وشركات طيران متعددة أخرى - بوقف الرحلات إلى إسرائيل حتى أبريل 2025 وكذلك الطلب من المواطنين الأميركيين والكنديين والبريطانيين في لبنان، المغادرة.

هذه الاستعدادات تأتي في ظل قرار نتنياهو بالردّ على ردّ «حزب الله» على اغتيال قائده في المجلس الجهادي العسكري فؤاد شكر. علماً أن الردّ من الحزب ليس خياراً، وذلك لمنع اغتيالات أخرى وخروج الحرب عن ضوابطها.

ورغم أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، كان أوصى في 11 أكتوبر الماضي، بالذهاب إلى لبنان لإعادته إلى «العصر الحجري»، فقد أعلن بصراحة صادمة لاحقاً «لقد رأيت شجاعتهم عندما يتعلق الأمر بالتراشق المتبادل»، مضيفاً أنه لم يعد يوصي بالحرب على لبنان لأنها «ثرثرة وهراء»، معتبراً أن «الحرب ضد حزب الله مجرد مغامرة (مجهولة النتائج)».

إلا أن ذلك لا يعني أن نتنياهو يتلاقى مع وزير دفاعه على الرؤية السياسية - العسكرية نفسها. لذلك فرئيس الوزراء ليس بحاجة لاجتياح جزء من الجنوب أو البقاع او مرتفعات محددة، بل يستطيع الاعتماد على قواته الجوية لتدمير الأهداف التي يريدها ولأيام محدودة من القتال. والخطر من حرب محدودة ولكن مدمّرة، يكمن في الخسائر البشرية التي من الممكن أن تدفع الأمور خارج نطاق محدودية المعركة حتى ولو كان الهدف الأساسي تحييد المدنيين في شكلٍ جزئي واعتبار هؤلاء «أضراراً جانبية».

لقد بدأ «حزب الله» بفكرة تحويل المعركة من فوق الأرض إلى تحتها منذ ما قبل عام 2000 نظراً للتفوّق الجوي الإسرائيلي. كما بدأ ببناء منصات ومحميات عدة وأكثر تحصيناً تحت الأرض لتصبح نقاطاً وأنفاقاً هجومية ودفاعية منذ أن طورت إسرائيل الذكاء الاصطناعي لتستخدمه في حروبها.

وتحتاج الصواريخ ثقيلة الوزن إلى عربات خاصة وأرض صلبة تستطيع حمْلها ونقلها من مكان التخزين إلى مكان الإطلاق مع الحفاظ على سلامة الجهاز الموكل بالإطلاق، وإلى تَواصلٍ آمنٍ مع غرف القيادة والسيطرة، كما تحتاج إلى أماكن تخزين محصنة لا تصل إليها الصواريخ الأميركية الخارقة للتحصينات مثل الـ GBU-57A/B التي تحمل 13.608 كيلوغرام من المتفجرات وتستطيع الوصول إلى عمق 61 متراً من الخرسانة المسلحة (200 قدم) والتي تُستخدم للمنشآت العسكرية تحت الأرض أو مراكز القيادة أو المنشآت النووية، بحسب المصادر المطلعة.

إنها رسالة نفسية وردعية وهجومية ودفاعية وإستراتيجية، على أمل الّا يعتمد نتنياهو على وجود القوات الأميركية - «الناتو» المنتشرة بهذه القوة في الشرق الأوسط ليجرّ الجميع لحرب - فرصة يَعتقد أنها ستصبّ في مصلحته في نهاية المطاف وتبقيه في السلطة، كما يرغب.