اختلف العلماء في ما تعنيه كلمة «الحياة»، وراحوا طوافين خلف الطبيعة وما وراءها بحثاً عن معنى لهذا المفهوم فلم يتفقوا، إلا أن الدكتور ناصر حيات الطبيب الإنسان - رحمه الله - قد أوجد ذلك المعنى بأفعاله حينما ساهم في سعادة الآلاف من الناس من خلال علاجاته ومساهماته الطبيّة الثريّة.

لقد تعرّفتُ على هذا الإنسان الخلوق منذ أكثر من 28 عاماً حينما كان يعالج والدي - رحمه الله - في مستشفى الصدري، وقد توثَّقت علاقتي به حينما كنت أمكث في المستشفى لأيامٍ طويلةٍ خاصةً بعدما «ساءت حالته في أيامه الأخيرة»، رحمه الله.

في تلك المرحلة التي تراوحت بين خمسة أعوام تقريباً، عرفت عن قرب الدكتور ناصر حيات، وقد تجاذبتُ معه نقاشاتٍ عديدةً عن مسائل صحيةٍ واجتماعيةٍ وسياسيةٍ وغيرها حينما كنا نتقابل أثناء الدوام الرسمي أو بعده.

في كل تلك المساجلات كان له رأي إيجابي على الرغم من سوء الحال في بعضها. لقد كان يحمل في مكنونه سراً يتلخص في التفاؤل وحب الخير ومحاولة بث السعادة للناس.

كان يقول في بعض الأحيان، كلنا سنرحل عن هذه الحياة، ولكن مهمتنا أن نسعد الناس قدر المستطاع، ونحاول توفير حياة سعيدة ومريحة لهم. كان رحمه الله بارعاً في علاج القلوب من خلال علمه الطبي ونهجه الإنساني، ولذلك اجتمعت قلوب المحبين حوله، وحسبي: أنّها حزينة على فراقه.

حينما كان يقوم بجولته على المرضى، سواء في الصباح أو في آخر ساعات العمل، كان يسلّم عليهم ويداعبهم قبل أن يهم بالفحص، ويعطي إرشاداته بطريقته الخلاقة للمرضى، بحيث يُسْكِن الطمأنينة لديهم على الرغم من حالاتهم التي بعضها كان صعباً.

في الغرفة العمومية التي كانت تجمع أربعة مرضى أحياناً في مستشفى الصدري القديم، كان يتحدث مع الكل وكأنهم أسرة واحدة، وبفضل ذلك توثقت علاقات إنسانية جميلة بين والدي - رحمه الله - مع بعض المرضى حينذاك.

لقد جسّد الدكتور ناصر حيات معنى اسمه في عمله، وجعلها سيرة جميلة في علاقاته الإنسانية مع أصدقائه ومرضاه.

حينما قابلته قبل أشهر في ديوان عائلة حيات العامر في منطقة الشعب، كان مثقلاً بالتعب، ولكنه لم ييأس بل ارتسمت الابتسامة على محيّاه البشوش.

قلَّب معي ذكريات الماضي حينما كنا نتقابل في مستشفى الصدري وما بعد ذلك من زمن حيث توثقت علاقتنا، فلم أجد في ما حدثني به أي شيء من النميمة، أو الغيبة، أو التذمر، أو غير ذلك من ملمّات الدهر، بل كان يأمل ويتأمل ويشكر الخالق على نعمائه.

لقد رحل الدكتور ناصر حيات، ولكنه ألهم محبيه وأهله بأفضل الدروس الدنيوية، التي من خلالها يمكن أن يجعلوا للحياة قيمة حينما يسعدوا الناس.

نسأل الله عز وجل أن يحتسب أعماله وسجاياه، ويسكنه في جنات النعيم، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان؛ إنَّه سميع مجيب.