إن أدبياتنا تعلمنا أن الأسلوب الصحيح في مواجهة الضغوط الناتجة من شعور الغربة، وتحدياته لا يكمن في التشاغل بالرد عليها، مما قد يجره إلى معارك خاسرة، وإنما يتمثل في الانكفاء على الداخل بالإصلاح والتنقية والتدعيم. ولا شك أن ذلك شاق على النفس، لأن المرء آنذاك يحتاج أن ينقد نفسه، ويجعل من ذاته الحجر والنحّات في آن واحد.

واليوم يشعر المرء بغربة حقيقية بين أهله وأحبابه، على الرغم من أنه يجد نفسه الفريد والمتميز على مستوى المبادئ والمفاهيم والأهداف، وهذا التميز جرّ عليه ضغوطاً أدبية ومادية، هي أكبر بكثير مما يظن.

من المهم جداً أن يتعلم المرء التدعيم الذاتي في مقابل الموضوعي، لأنه إذا تعلم كيف يدعم ويحسّن من ذاته إذا ساءت ظروفه، وشعر بالدونية أمام الآخرين، فسينقذ نفسه من أمراض قلبية، تجره إلى انفلات سلوكه، وغالباً ما يكون سلوكه سلبياً لأنه يشعر بالإحباط واليأس، فيقطع رحمه، ويتخلى عن أحبابه، ظناً منه أنهم أفضل منه في كل جوانب حياته، لأنه لا يرى إلا النواقص ولا ينظر إلا للنِعم التي عند غيره، فيصبح إنساناً غيوراً حسوداً حقوداً، لا يعرف من قواعد العلاقات غير الكيد والخيانة والغدر في من يظن أنهم أفضل منه، يعيش بين أوهامه وخياله الفاسد، بأن الناس دائماً ضده، وأنهم يستخدمون ضده العنف بتعاملهم الراقي معه، فهو يراه تعاملا سافرا وسيئا، فيموت بحسرته من الغيرة والحسد والحقد.

إن لم يع على نفسه قبل فوات الأوان، فسوف يدخل في مشكلات لا علاج لها.

فوجب عليه أن يهذب ذاته ويحسنها ويدعمها ويرتقي بها، وهذا التدعيم يأخذ أشكالاً كثيرة منها: مقاومة ومشاكسة نفسه الأمّارة بالسوء، الاستمتاع بنِعم الله - تعالى - عليه واستغلالها في طاعته، النظر إلى الموجود بين يديه وعدم التفكير في المفقود، ينظر إلى المستقبل بعقل مفتوح قنوع بما رزقه الله - تعالى - يحسّن علاقاته مع الآخرين، إلى جانب التخلص من أكبر قدر ممكن من العادات السيئة، مثل الفضول، والتدخل فيما لا يعنيه، ويكثر السؤال بكل صغيرة وكبيرة، في ما يخصه وما لا يخصه.

عليه أن يجتهد في تحسين مستواه الشخصي، يعتني ويهتم بقلبه ويحصنه ويقيه من الأمراض التي قد تعتريه. قبل أن يجد نفسه منبوذاً مذموماً، ويُختم على شخصه بختم الغيور الحسود الحقود، الجميع يتحاشاه حتى لا تصيبهم أمراضه التي قد تكون معدية ولا علاج لها إلا البعد عنه.

M.alwohaib@gmail.com

@mona_alwohaib