في إطار تحركاتها لتطوير بيئة الأعمال المحلية، تبحث الحكومة مقترحاً مصرفياً يدفع بإقرار جملة قوانين ملحّة يُعوّل عليها كثيراً في تحسين وتطوير القطاعين المالي والمصرفي، فضلاً عن أثرها الكبير في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التنمية في البلاد.

وكشفت مصادر ذات صلة لـ «الراي»، أن المقترحات محل البحث حظيت بدراسة مصرفية واسعة، وتعكس التحديات التي تواجه السوق المحلي، وفرصه المعطلة برسم تهيئة المناخ المناسب.

وأشارت إلى أن قوانين تنظيم إدراج وتداول صكوك وسندات القطاع الخاص من جانب هيئة أسواق المال، والدين العام، والصكوك الحكومية، تأتي على رأس الملفات المفتوحة للنقاش الحكومي المصرفي، إلى جانب قانون التمويل العقاري أو ما يعرف باسم «الرهن العقاري» الذي تزداد أهمية إقراره يوماً تلو آخر.

خطط الدولة

ولفتت المصادر إلى أن الحاجة لإقرار هذه القوانين الـ4 تتعاظم انسجاماً مع خطط الدولة لتسريع تحقيق رؤية الكويت 2035، والتي تستهدف تسجيل معدلات نمو مستدامة، وسط زيادة مشاركة القطاع الخاص في إحداث التنمية بآليات فاعلة، وبحدود تضمن تحقيق فائدة مزدوجة تشمل تحسين بيئة الأعمال المحلية، وتخفيف الأعباء المتراكمة على الميزانية العامة والتي أدت لتسجيل الدولة عجوزات متتالية لنحو 7 سنوات.

وذكرت المصادر أن المتغيرات الاقتصادية والمالية التي تنامت الفترة الأخيرة محلياً وخليجياً وعالمياً، فرضت تحديات متشابكة، تتضمن الحاجة المتزايدة لضمان الدولة الحصول على تمويل مستقر، ومواكبة تطور أسواق المال بإجراءات متقدمة تنظيمياً، يأتي على رأسها إقرار قانون الصكوك الحكومية.

وأوضحت أن هناك حاجة ملحة في السوق الكويتي لإقرار قانون ينظم تداول الأدوات المالية التي توازي السندات لكن وفقاً للشريعة الإسلامية، مبينة أن هذه الأدوات تقوم على مفهوم المشاركة في الربح والخسارة ولا تتضمن دفع فائدة ثابتة ما يلبي احتياجات شريحة واسعة من العملاء الأفراد والشركات.

وبالطبع لم يغب قانون الدين العام عن دائرة المناقشات في هذا الخصوص، حيث أفادت المصادر بأنه جرى التأكيد على الأهمية الإستراتيجية لإقرار هذا القانون بشكل سريع، مشيرة إلى أنه ومنذ 2017 انتهت صلاحية «الدين العام» في الكويت، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف الشد والجذب بين مجلس الأمة والحكومة التي أكدت مراراً وتكراراً ضرورة إقرار قانون جديد يتيح للحكومة الاقتراض عبر اللجوء إلى إصدار سندات دولية.

تداعيات العجوزات

وقالت المصادر إن الكويت تعاني من تداعيات العجوزات المتتالية منذ نحو 7 سنوات، وتدني منسوب السيولة في صندوق الاحتياطي العام واستمرار تزايد عمليات السحب من رصيده، وفقاً لتصريحات وزير المالية الدكتور أنور المضف أثناء كلمته في ملتقى الميزانية العامة الأول الذي عقدته الوزارة قبل فترة؛ لتوجيه الجهات الحكومية بتنفيذ ميزانية السنة المالية الحالية.

علاوة على ذلك، من المرتقب حسب التوقعات الحكومية السابقة والجهات المختصة، أن يزيد عدم إقرار «الدين العام» مصاعب المالية العامة والاقتصاد المحلي أكثر، لاسيما وسط تنامي تحركات الحكومة لإحداث التنمية المستهدفة، وكذلك سيقود تأخر أقرار القانون إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض على الكويت، وتصاعد مخاطر تخفيض تصنيف الدولة الائتماني لدى الوكالات العالمية التي حذرت أكثر من مرة من مغبّة استمرار تأخير إقرار هذا القانون.

ضمان الاقتراض

مالياً ومصرفياً، هناك توافق بين المختصين على أن إقرار «الدين العام» يسهم في ضمان اتمام الاقتراض العام بطريقة لا تؤدي إلى مشاكل مالية طويلة الأمد، فضلاً عن دوره في زيادة ثقة المستثمرين والدائنين بالحكومة.

وفي السياق نفسه، يبدو أن هناك تفاهماً حكومياً مصرفياً على ضرورة تحريك المياه الراكدة لملف التمويل العقاري، حيث يدفع المقترح المقدم في هذا الشأن بتبويب المشروع كأولوية في خارطة مشاريع القوانين التي تستهدف الحكومة إقرارها الفترة القريبة المقبلة.

وأوضحت المصادر أن ما يدعم هذا المقترح بوجهة نظر مسؤولي البنوك، أن وجود «التمويل العقاري» يمثّل منصّة حقيقية لتقديم معالجات مالية بديلة وموثوقة ومعمول بها في المنطقة للتعامل مع أزمة السكن الخاص.

وذكرت أن قانون التمويل العقاري بات ضرورة لمعالجة الأزمة الإسكانية بعيداً عن «جيب» الحكومة كونه يعالج التحديات المالية التي تضعف مقدرة بنك الائتمان في الاستمرار بتقديم قروض إسكانية بنموذجه التقليدي الذي يعتمد على رأسماله بعيداً عن الاستفادة من فوائض السيولة الموجودة لدى البنوك المحلية، في وقت تتصاعد التوجيهات الحكومية لتقليص المصاريف العامة.

تنظيم إدراج

إلى جانب ما سبق، هناك قناعة مصرفية بأن تنظيم إدراج وتداول صكوك وسندات القطاع الخاص من جانب «هيئة الأسواق» يكتسي أهمية مضاعفة لمتطلبات التنمية الاقتصادية المستهدفة، لدورها المحوري في مواكبة التطوير المتسارع بأسواق المنطقة والعالم لجهة تنظيم عمليات التداول وأدوات التمويل خصوصاً الرئيسية.

متطلبات التنمية الاقتصادية

أشارت المصادر إلى أن وجود القوانين المقترحة مصرفياً باتت من متطلبات التنمية الاقتصادية والمالية، كونها تسهم في توفير سيولة إضافية من البنوك للأفراد والمؤسسات وللدولة وبفترات دين مختلفة، ما يعمق متانة المالية العامة والتمكين من الاستغلال الأمثل للموارد المالية للدولة وتقليل أعبائها علاوة على تقوية جدارة أسواق المال المحلية وتعزيز انتظام حركة تدفقات رؤوس الأموال إليها.

ونوهت المصادر إلى أنه سبق وصدر مرسوم لسنة 2021 بإحالة مشروع قانون التمويل العقاري للسكن الخاص إلى مجلس الأمة والذي تم إعداده بناء على توجيهات مجلس الوزراء، تنفيذاً لإستراتيجية الدولة في معالجة المشكلة الإسكانية، من خلال مشاركة البنوك الكويتية في دعم المنظومة الإسكانية للدولة وتوفير ضمانات فاعلة للتمويل.