في التاريخ الذي لا يقرأه الكثيرون أحداث مهمة ربما مازالت تلقي بظلالها على عالمنا اليوم، منها حرب الثلاثين عاماً التي حدثت قبيل انتهاء العصور الوسطى بين فرنسا وإسبانيا بين عامي 1618 و1648 م، هذه الحرب وبعيداً عن أسبابها وتفاصيلها انتهت بمعاهدة السلام المعروفة بمعاهدة (وستفاليا)، هذه المعاهدة نظّمت العلاقة بين الدول المتصارعة آنذاك، وأسّست النظام الذي أصبح نظاماً دولياً لاحقاً والذي مازلنا نسير عليه.

هذه المعاهدة بنيت على التعاون والمشاركة عوضاً عن التدخل والسيطرة ومن أهم بنودها باختصار: -

1 - إقرار دبلوماسية المؤتمرات التي اتخذت صورة مقابلات بين الملوك والأمراء ورؤساء الدول لتبادل وجهات النظر.

2 - وضعت نهاية للحروب الطويلة بين القوى الدينية، وأقرّت مبدأ المساواة بين الدول دون النظر إلى نظمها الداخلية الدينية، وبذلك كانت بمثابة الخطوة الأولى نحو تثبيت علمانية العلاقات الدولية.

3 - أقرّت نظام إحلال البعثات الدبلوماسية الدائمة.

4 - أقرّت مبدأ ردع الدولة التي تسعى إلى التوسع على حساب الدول الأخرى، والحيلولة دون هذا التوسع لكي لا يختّل توازن القوى بين الدول.

5 - التأكيد على أن الدولة القومية ذات السيادة هي الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية.

وقد التزم الغرب بمبادئ هذه المعاهدة طوال القرون الماضية، وقامت الحرب العالمية الأولى والثانية تنفيذاً لقواعد تلك المعاهدة، وحتى وقت قريب التزمت معظم القوى العظمى بمبادئ تلك الاتفاقية التي أصبحت نظاماً دولياً يصعُب تخطّيه، وقد تحررت الكويت من الغزو العراقي بناء على تلك المبادئ، وإذا تابعنا العلاقة بين العالم الغربي وبين روسيا سنرى أن موقف العالم الغربي ملتزم بالقانون الدولي الذي أسّسته تلك الاتفاقية.

الخرق الواضح الوحيد لهذه الاتفاقية هو ما نراه اليوم في الصراع بالشرق الأوسط، في ما يخص إسرائيل وإيران، فقد خرقت إسرائيل كل مبادئ الاتفاقيات الدولية ومنذ عقود طويلة؛ ومع ذلك لم يتم الحجر عليها أو إيقافها، وقامت إيران بتبني مبدأ تصدير الثورة والتدخل في الدول الأخرى خلافاً لمبادئ القانون الدولي؛ بل أكثر من ذلك قامت الولايات المتحدة بالتعاون ليس مع الدول القومية ذات السيادة بل مع أحزاب وجماعات ضاربة عرض الحائط بالنظام الدولي الذي أقرته قديماً معاهدة (وستفاليا).

من هنا كان استقبال الرئيس الصيني شي جين بينغ، في العام الماضي عدداً من قادة الدول لمنتدى «الحزام والطريق»، بمناسبة مرور 10 سنوات على بدء مشروع يعتبره نموذج الصين الشامل للتنمية وبناء نظام عالمي جديد.

لقد بدأت دعوة الصين هذه كمشروع اقتصادي بسيط في سبتمبر 2023؛ وسرعان ما تم تطويره ليصبح دعوة لنظام عالمي جديد بعد تلك الخروقات الكبيرة التي تُمارسها الدول الغربية في النظام الدولي الذي هي أول من أسّسه فإذا بها أول من ينتهكُه.

الشرق الأوسط اليوم فوق بركان يوشك أن ينفجر، والسبب الرئيسي لهذا الخطر هو عدم التزام القوى العظمى بالقانون الدولي في منطقتنا، أما أسباب ذلك فكثيرة، تمتدّ من العلاقة التاريخية؛ إلى الأطماع الاستعمارية؛ كل التفاعلات والآراء التي ينظّر بها فلاسفة ومثقفي الغرب تصّب في باب التحذير من الشرق الأوسط، وربط مصالح الغرب بتعطيل الاستقرار والتنمية في هذه البقعة بالذات، لذا يتم تجاوز القانون الدولي في منطقتنا، ومن الحكمة ادراك هذا التاريخ والتمسك بالقانون الدولي في منطقتنا، بل وإظهار التعاون مع الصين في مشروعها المقبل حتى يلتزم الغرب بعلاقته معنا وفي منطقتنا وفقاً للقانون الدولي وليس وفقاً لمصالحه.