لاحظنا في الآونة الأخيرة جهوداً غير مسبوقة من معالي وزير التربية وزير التعليم العالي والبحث العلمي أ.د عادل العدواني، وحملته لمكافحة الفساد.
اعتمد معاليه فترة درس فيها كل من طبيعة عمل وزارة التربية ووزارة التعليم العالي. وأنشأ لجاناً استشارية لمعرفة حقيقة الأخطاء التي تحدث في الوزارتين. وكان حازماً في التطبيق بعد فترة الدراسة حيث قام بتدوير العديد من قياديي الوزارتين وغير أعضاء العديد من اللجان وأصبح هو الفيصل في قضايا التظلمات وقرارات اللجان الخاصة.
نشيد بهذا الإصلاح ونراه فرصة لمناقشة التطورات الأخرى التي حتماً وإن تطرق لها الوزير. ومن دورنا كأكاديميين، رصدنا الآتي، أصبح الشارع الكويتي عرضةً لهجمات إعلامية كثيرة، خلط الأوراق وتدليس الحقائق. ما أدى إلى تدني تقييم الكويت سياسياً وأثّر بشكل كبير على مكانتها كمركز اقتصادي للاستثمار الخارجي. أصبح المواطن الكويتي عرضةً لتغريدات بلا مصدر وأخبار كاذبة وبثوث «تيك توك» تشوه الحقيقة، ولكن بسبب تكرار هذه الرسائل وعلو صوتها باتت مؤثرة جداً على جيل الشباب، ولعله أهم جيل منذ نشأة الكويت لتطويرها للمرحلة المقبلة من التطور.
في عصر يتسم بالتغيرات المتسارعة والتطورات التكنولوجية، برزت الحاجة الملحة لتحديث نظم التعليم لتواكب هذه التغيرات.
ما نشهده من جهود معالي وزير التربية ووزير التعليم العالي والبحث العلمي أ.د عادل العدواني في مكافحة الفساد وإصلاح النظام التعليمي هو خطوة مهمة وجريئة نحو إصلاح شامل.
«التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم»، كما قال نيلسون مانديلا، وهذا يدعونا إلى التفكير في إعادة هندسة مناهجنا التعليمية لتكون أكثر ملاءمة لاحتياجات القرن الحادي والعشرين. يجب أن نبني نظاماً تعليمياً يركز ليس فقط على الحفظ والتلقين، بل يشجع على الابتكار والتفكير النقدي.
التحديات التي نواجهها ليست فريدة من نوعها في الكويت، بل هي جزء من نقاش عالمي حول كيفية تحديث التعليم. كما أشار العالم الكندي مارشال ماكلوهان، «التعليم، كما تتم ممارسته حالياً، هو عملية تمديد للماضي على حساب المستقبل». هذه الفلسفة لم تعد قابلة للتطبيق في عالم يتغير بسرعة كبيرة، حيث إن الوظائف التي سيشغلها طلابنا في المستقبل قد لا تكون قد اخترعت بعد.
أصبح إعادة النظر بمناهج وزارة التربية ضرورة ملحة، فالألواح الذكية والتطبيقات التعليمية بلا قيمة تذكر إذا كان المحتوى التعليمي لا يواكب احتياجات العصر. تغير سوق العمل وأصبح يحتاج إلى تخصصات لم تكن موجودة في السابق، ورأينا تخصصات مهمة تشبعت في سوق العمل وأصبح متخصصوها بلا وظائف تذكر. وعليه، أصبح من الضرورة تغيير الفكر التعليمي الذي تقدمه الوزارة، ومن وجهة نظري لابد من إضافة مقررات السياسة الكويتية في مرحلة الثانوية وإضافة مقرر إلزامي في المرحلة المتوسطة إلى الثانوية عن وسائل الإعلام وتأثيرها على الشخص والمجتمع والتي يمكن أن تكون ضمن مقرر الاجتماعيات.
هذان المقرران أصبحا مدرجين في العديد من مدارس الدول المتطورة مثل الدول الاسكندنافية لمعرفتهم أهمية بناء جيل واعٍ ومشارك في السياسة. نظراً لأهمية بناء الدولة والمشاركة الفعالة في السياسة، بالإضافة إلى أهمية حماية جيل الشباب من التأثيرات السلبية التي تقدمها تطبيقات الوسائل الاجتماعية.
انتقد معظم العلماء التربويين المعاصرين فلسفة التعليم الحالية. فهي مؤسسات لم تواكب العصر منذ الثورة الصناعية التي شهدت طفرة في مجال الصناعات. كانت المصانع تحتاج إلى عمالة ماهرة بشكل كبير وملح، وعلى أساس ذلك تبنت المؤسسات التعليمية فلسفة تعليمية تركز على مخرجات منتجة وليست مفكرة أو مطورة. كما نوه العلماء على عدم قدرة المؤسسات التعليمية على تقديم مادة علمية من شأنها تمكين الطلبة ليكونوا مجددين أو مطورين في مجالاتهم. بل وللأسف أصبحت هذه المؤسسات تركز على إخراج طاقم عمل يعمل ولا يجدد.
وعلى غرار ذلك، لننظر إلى ما تفعله الدول الاسكندنافية على سبيل المثال. قدمت هذه الدول إصلاحات شاملة للتعليم. بدأت هذه الجهود بدراسة المخرجات التعليمية ومطابقتها مع احتياجات الدولة. حيث وجدوا تكدساً كبيراً من الأجيال القديمة في المناصب القيادية وعزوف العديد من الشباب عن هذه التخصصات. كما لاحظوا انخفاضاً شاسعاً في معدل الراغبين في استكمال الدراسة للمرحلة الجامعية نظراً لوجود فرص عمل عن بعد باستخدام الحاسب الآلي والهاتف الذكي، وعند استبيان هذه الفئة، تبين أنهم لم يجدوا فرصة واقعية للتطور ابان تكدس الوظائف القيادية لفئات معينة، وأنهم وجدوا شغفهم في الوظائف غير التقليدية هذه. ومن واقع هذه الدراسة، تبين للحكومات هناك بضرورة الإصلاح حالاً قبل أن تصبح أزمة عزوف عن العمل في المستقبل ما سيؤدي لركود اقتصادي تباعاً.
علمت الحكومات الاسكندنافية أن فئة الشباب هم من سيقودون البلد ويعمّرونه في المستقبل. فإذا زادت نسب العزوف عن العمل التقليدي والابتعاد عن الدراسة النظامية، ستجد الدولة نفسها دون عمالة مؤهلة لتغطية حاجاتها الأساسية. فبعد دراسة الرأي العام ومقارنته باحتياجات سوق العمل، قامت الحكومات بدعم الجامعات الخاصة المجددة التي تطرح تخصصات جديدة وتتبنى فلسفة تعليم غير تقليدية. وعليه رأينا تخصصات جديدة استقطبت جيلاً جديداً من المتعلمين مثل صناعة المحتوى لتطبيقات التواصل الاجتماعي، وبرمجة الألعاب، وغيرها. كما رأينا تخصصات قديمة تنعش مرة أخرى، فأصبحت برامج الهندسة الميكانيكية تطبق مناهج تركز على السيارات الكهربائية. ولعل كان نصيب الأسد لتخصصات إدارة الأعمال في التطور، فرأينا تخصصات مثل إدارة الأصول الرقمية، والتسويق الإلكتروني تتصدر رغبات الشباب الاسكندنافي.
وبعد كل هذه الأمثلة، أصبح ضرورياً أن نرى منهجاً إصلاحياً للمناهج التعليمية في الكويت. فتمكين الشباب بأدوات واقعية تناسب ميولهم سيصب بمصلحة الوطن والمواطن، وسيزيد من إنتاجية الموظف بشكل كبير كونه يعمل في مجال يناسب شغفه ويدر عليه الرزق الحلال.
إضاءة:
أتمنى أن نرى لجنة ثلاثية بين وزارة الداخلية ووزارة التربية ووزارة الإعلام تراقب وترصد الجرائم التي تقع في تطبيق تيك توك. لاحظنا استخدامه من قبل بعض ضعاف القلوب لترويج المخدرات والنصب والاحتيال ناهيك عن السب والقذف والتطاول على شخصيات عامة وخاصة.