من يصدق أنه قبل 34 عاماً احتل بلد عربي مسلم جاره الشقيق!، حيث إنه تمر علينا في هذه الأيام ذكرى الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت، وكان ذلك في الثاني من أغسطس 1990، من محتل غادر دخل في الليل محاولاً مسح هوية دولة وتاريخها من على الخريطة ونهب ثرواتها ومقدراتها.
ذكرى تحمل في طياتها الكثير من العبر والدروس وجعلتنا نتعرف على أصدقائنا الحقيقيين ومن كان يمثل علينا، ولاننسى موقف دول العالم والمجتمع الدولي ودول الخليج التي ساندت ودعمت الشرعية الكويتية حتى عاد أمير الكويت المرحوم بإذن الله تعالى الشيخ جابر الأحمد الصباح، وهذه نعمة كبيرة يجب أن نحمد الله تعالى ونشكره عليها.
لقد شكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة أثناء الغزو معنى الوفاء وبمختلف طوائفهم وقبائلهم وعوائلهم، وذلك للدفاع عن الحق والتضحية بالغالي والنفيس، ولم يجد المعتدي أي تعاطف من أي كويتي محب لبلده، فشاهدنا رجال وأبطال المقاومة الذين دافعوا عن الكويت بكل شجاعة واستبسال مثلما حصل مع مجموعة «بيت القرين» و«لجان التكافل الاجتماعي» التي كان لها دور كبير عبر لجانها على تسيير أمور الدولة أثناء الغزو، وبعضهم تعرض للاعتقال أثناء عملهم في الجمعيات التعاونية وتوزيع الأموال على أهل الكويت المرابطين، وهناك نماذج كثيرة كان لها دور كبير في العصيان المدني حتى عادت الشرعية.
الغزو عندما جاء لم يفرق بين أحد من المواطنين الذين يعيشون على هذه الأرض الطيبة، ومن ينظر إلى أسماء الشهداء يجدهم من مختلف فئات المجتمع، لذلك نحن بأمس الحاجة اليوم للوحدة الوطنية مرة أخرى، ونراها كأفعال وليس فقط شعارات تردد وتقال، ولا نسمح لأي كائن أن يلمز بأي فئة من فئات المجتمع الكويتي، خاصة في هذه الأيام التي نسمع من يلمز ببعض الفئات بين فترة وأخرى.
إن شهداء الكويت سيبقون ويقفون في وجه كل من يريد أن يعبث بوحدتنا الوطنية كائناً من كان، وهذه الدماء الزاكية ستظل نبراساً للمستقبل، وهي ذكرى طيبة تستحق أن نتذكرها كل عام لنأخذ منها العبرة، وخاصة في بلد ذهب وعاد أفضل مما كان في أقل من عام ...
والعمل الإنساني الذي تقدمه الكويت ممثلاً بالجهات الرسمية مثل الصندوق الكويتي للتنمية وبيت الزكاة وجمعية الإصلاح الاجتماعي، أو الجمعيات الخيرية الأخرى كان له أثر إنساني كبير في الغزو وخير من يدافع ويتحدث عن الكويت، وذلك نتيجة لدورها التنموي الذي قامت فيه عند الشعوب الفقيرة، وساهم في تعزيز صورة الكويت في نفوس شعوب العالم بأسره، والعمل الإنساني يعتبر أحد أدوات قوة الكويت الناعمة، ويجب أن يدعم العمل الإنساني الكويتي.
نتمنى من وزارة الإعلام الاهتمام أكثر بدروس الغزو التي تعلمناها ثم نسيناها خاصة في التسامح مع الآخرين، وأن الكويت تحتضن الجميع، وتسليط الضوء على التضحيات التي قدمها رجال وبنات الكويت في جميع المناسبات الوطنية، حتى يتعلم أطفالنا ماذا فعل شباب الأمس بوطنهم، وكيف دافعوا عنه باستبسال، وكيف كان الشعب الكويتي موحداً بكل أطيافه، ورفض الحكومة العراقية الموقتة، وأن العمل الخيري كان من دعامات حفظ الكويت، وكيف شاركت أكثر من 30 دولة صديقة لعودة الشرعية الكويتية. كل هذه الدروس تستحق أن تدرس وتعلم لكل الأجيال القادمة.
وبالرغم قساوة عدوان أغسطس 1990، ومرارة الألم خاصة وأن هناك شهداء ومفقودين كويتيين فقد بادرت الكويت بمساعداتها للشعب العراقي منذ عام 1993، إلى اليوم استناداً إلى مساعيها الإنسانية ودورها الإقليمي الواضح في العمل الإنساني الهادف إلى دعم استقرار المنطقة.