أعلن وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير، موجِّهاً كلامه لنائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس والمرشّحة للرئاسة «لن يكون هناك وقف لإطلاق النار سيدتي»، وذلك بعدما كانت صرّحت عقب لقائها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ان «قتْل الأطفال في غزة والنزوح المتكرر مأساة مروعة»، وان «ما حدث في الأشهر التسعة الماضية مدمّر» وانها «ستعمل على إنهاء الحرب».

وكان نتنياهو أشار في خطابه أمام الكونغرس إلى نيّاته بإنهاء «حماس» من دون أن يتطرّق إلى المفاوضات لإنهاء الحرب، ليكمل الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي الادميرال جون كيربي هذه النيات بقوله ان «الرئيس جو بايدن يريد التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى، على الأقل الخطوة الأولى منه».

وهذا ما يؤكد ما تخشاه المقاومة وما يسعى إليه نتنياهو لجهة استرداد الأسرى الأحياء ليكمل الحرب والدمار والقتل بعد تنفيذ المرحلة الأولى، الأمر الذي دفع مصدراً في «محور المقاومة» إلى الردّ على ما قاله نتنياهو في واشنطن بالتأكيد أن «سقوط غزة ممنوع».

فماذا تستطيع المقاومة الداعمة لغزة أن تفعله؟ وما علاقة بث ما حملتْه مسيّرة «الهدهد» في جزئها الثالث بكشف النيات المستقبلية لصراع مستمر وحرب دموية لا أفق لنهايتها في المنظور القريب؟

لم يعد خافياً أن ما «تعود به» مسيّرات الاستطلاع التابعة لـ «حزب الله» تحت مسمى «الهدهد» أبعد من الرسائل الردعية. فمحتوى ما أحضرتْه هذه المسيّرات يكشف هشاشة أنظمة الدفاع الإسرائيلية من جهةٍ، وكذلك بنك الأهداف المتوافر لدى قيادة «محور المقاومة» في حال صراع عسكري موسع، وأيضاً قواعد جديدة يهدف «حزب الله» لترسيخها، مؤكداً القدرات المتوافرة والتي تفرض نفسها على إسرائيل مستقبلاً حتى في أيام السلم.

اعتراض المُسيّرات... صعب

وقد أصبح معلوماً ان اعتراضَ أو إسقاطَ طائرة من دون طيار تابعة لـ «حزب الله» صعب جداً حتى باستخدام أنظمة الصواريخ الاعتراضية نظراً إلى خصائص هذه الطائرات والجوانب التشغيلية الدفاعية.

إذ إن المسيرات تترك بصمة ومقطعاً رادارياً أصغر بكثير مقارنة بالطائرات المأهولة أو الصواريخ الأكبر حجماً، ما يجعل من الصعب اكتشافها وتَتَبُّعها بدقة بواسطة أنظمة الرادار المصمَّمة لتحديد الأجسام الأكبر حجماً.

وقد تم تصميم بعض الطائرات بميزات التخفّي التي تقلّل بشكل أكبر من رؤيتها بالرادار ما يعقّد مهمة أنظمة الدفاع الصاروخي.

بالإضافة إلى ذلك، فإنها غالباً ما تحلّق على ارتفاعات منخفضة ما يضعها ضمن «فوضى الأرض» ويصعب تمييزها عن الأشياء الأخرى القريبة من الأرض مثل المباني والأشجار أو مختلف التضاريس.

ويمكن للسرعة البطيئة نسبياً للمسيَّرة ان تشكل «سلاحاً ذي حدين» إذ أن تتبّعها أسهل بمجرد اكتشافها ولكن أنظمة الدفاع مخصصة للأهداف العالية السرعة. وهذا التباين يؤثر على خوارزميات التوجيه والاستهداف للصواريخ الاعتراضية.

وتتمتّع بعض المسيّرات الاستطلاعية والقتالية (ليس الانقضاضية) بقدرةٍ عالية على المناورة وتغيير السرعة والاتجاه بسرعة، بحسب إرادة مشغّلها عن بُعد ما يعقّد عملية التتبّع والاعتراض والتنبؤ باتجاهها وحركتها، وخصوصاً إذا اتبعت مساراً غير منتظم أو مبرمَج سابقاً.

ويمكن نشر طائرات من دون طيار ضمن مجموعة منسّقة وبأعداد كبيرة ما يغرق ويربك أنظمة الدفاع الصاروخي غير المجهزة للتعامل مع أهداف عدة في وقت واحد.

وتستطيع هذه الطائرات استخدام تدابير مضادة الكترونية لتشويش أو خداع أنظمة توجيه الرادار والصواريخ الاعتراضية. كما يمكنها تكييف مسارات طيرانها أو سلوكياتها لتفادي جهود الاعتراض ما يضيف إليها مرونة تخوّلها التملص من إستراتيجيات الدفاع الصاروخي التقليدي.

وعادةً ما تكون تكلفة إنتاج المسيرات أقل بكثير مقارنةً بتكلفة الصواريخ الاعتراضية. ويَفرض هذا التفاوت أكلافاً باهظة الثمن لإسقاط مسيّرات رخيصة مثل تلك التي يمتلكها حزب الله.

وما يزيد الطين بلة، تخصيص إسرائيل مقاتلات «إف - 16»، التي تقدر ساعة طيرانها بـ20 ألف دولار لإسقاط مسيّرة تكلف بين 500 - 2000 دولار فقط، خصوصاً ضد المسيَّرات المجهزة بتكنولوجيا التخفي للتهرب من الرادار.

بالإضافة إلى ذلك، فإن صاروخ «إف - 16» يكلّف عشرات الآلاف من الدولارات. ولذلك، فإن الاستخدام المتكرّر لهذه المقاتِلة لاعتراض المسيَّرات يؤدي إلى تسريع التآكل والتلف ويقلل من عمرها التشغيلي ويزيد من احتياجات الصيانة ويؤثّر على جهوزية الطيار.

نموذج رخيص التكلفة

ولهذا فإن المقاومة تقدّم نموذجاً رخيص التكلفة يحمل مخاطر كبيرة على إسرائيل التي تشعر بارتباك كبير أمام هذه القدرات التي تعجز عن ردعها كلياً.

وتستطيع المقاومة درء الحرب أو تحديد قواعد الاشتباك ومناطق مسرح العمليات بتصويرها أهدافاً عسكرية على بُعد 50 كيلومتراً، كما فعلت «الهدهد 3»، لتُظْهِر إمكان ضربها في أي معركة مستقبلية.

ومن المتوقع إظهار أهداف مستقبلية أبعد مما أظهرته المسيَّرات لغاية اليوم لتتمدّد نحو تل أبيب وهو ما يُرتقب أن تحمله «الهدهد» بأجزائها 4 و5 و6 وما بعد ذلك.

فهناك عدد كبير من القواعد العسكرية المهمة جداً حول العاصمة الإقتصادية لإسرائيل، تل أبيب، والتي ستهز الكيان إذا نُشر المسْحُ لها بتوقيتٍ تقرره المقاومة.

وهذا يعني أن أي حربٍ مقبلة تطول مطار بيروت أو أهدافاً عسكرية حول العاصمة اللبنانية ستدفع المقاومة للتعامل بالمثل مع عشرات الآلاف من الأهداف التي تملكها في بنك أهدافها الغني.

«الهدهد»

وفي حال عدم توسع الحرب - فقط إذا أوقف نتنياهو حربه على غزة - فإن المقاومة تستطيع فرْض معادلة جديدة على إسرائيل تمنعها من خرق الأجواء اللبنانية في أي إتفاقٍ مستقبلي، مقابل عدم تحليق «الهدهد» وعودتها بصور غنية تقضّ مضاجع الإسرائيليين في شكل متواصل.

مما لا شك فيه، أن «الهدهد» تمثّل تهديداً عظيماً لم تشهد له إسرائيل مثيلاً من قبل، لكشفها عن جزء من قدرات المقاومة اللبنانية وما تستطيع فعله لو حملت مسيّراتها القتالية متفجرات تراوح بين 10 كيلوغرامات و500 كيلوغرام تستطيع اغتيال أي هدف متحرك أو شخصية معينة، عسكرية أو سياسية، أو هدف ثابت عسكري او مدني، بحسب تطور المعركة. وهذه القدرات ستَظهر فقط في حال خروج الحرب الدائرة في غزة عن حدود المقبولية التي تقرّرها المقاومة في غزة، وتَقَرَّرَ أنه حان وقتُ تغيير مسار جبهات الإسناد عن خطّها المرسوم حالياً لتصبح جبهات أساسية. وهذا قد يحصل فقط عندما تستنفذ المقاومة جميع أوراقها الإسنادية لتتوجّه إلى مرحلة جديدة أكثر تصعيداً.

وتشير كل الدلائل إلى أن الأمور تتجه نحو الأسوأ ما دام رئيس الوزراء الإسرائيلي يخوض حرباً لبقائه في السلطة ولا يتّجه نحو إنهاء الحرب، بل يردّد رغبته في القضاء على «حماس» وعدم تسليم غزة للمقاومة أو حتى السلطة الفلسطينية بعد الحرب.

وهذا ما لن تسمح به المقاومة المسانِدة لغزة ما سيرفع فاتورة الدم والخسائر المادية، لكلا الطرفين، الإسرائيلي من جهة والمقاومة من جهة أخرى.