أصبح الحديث عن الوافدين ذا شجون بسبب كثرة الاستهلاك الإعلامي عن القضية، علاوة على النظرة السلبية عنهم في أي موضوع يُطرح، وللعِلم هم أكثر من 100 جنسية تخدم في هذا البلد الطيّب، من عُمّال البناء والنظافة إلى الطبيب وفي مختلف المِهن التي نحن بحاجة لها، ومثال ذلك المستشفيات التي بُنيت بأحدث التصاميم الحديثة والجميلة ولكن عند الانتهاء منها اكتشفنا أننا لن نستطيع تشغيلها بسبب قلة مخرجات كلية الطب والتي تقدّر بأقل من 200 دكتور بالسنة، بينما هذا العدد لا يغطي حتى لمستشفى واحد جديد، لذلك لابد من الاستعانة بالوافدين، وقس على ذلك بقية المهن والأعمال.

وبدل أن نتحدّث عن الوافدين بكل صغيرة وكبيرة ونلقي باللائمة عليهم هل شاهدت أين يسكنون، لماذا لا نقوم بتحسين ظروفهم المعيشية التي تليق بالإنسان، حاول أن تزور بعض الأماكن التي يسكنون فيها، هل تستطيع أن تسكن أنت وأبناؤك؟، وما لا ترضاه لنفسك يجب ألا ترضاه للآخرين كذلك. هم ليسوا سواسية، وأي جالية وشعب يعيش على هذه الأرض تجد فيه الإنسان الصالح والسيئ، ولكن تسليط الضوء على عناصر وصفات معينة والنظر بعين واحدة هنا تكمُن المشكلة، وتعميم النظرة السلبية على الجميع، وللأسف من أناس كان من المفترض أن يكونوا منصفين وإلّا هم أبعد الناس عن الموضوعية.

ولكن، إذا كنا جادين فمن المهم أن نعرف من الذي أتى بالوافدين وتركهم بالشارع دون عمل بعد أن امتصّ منهم كل ما يملكون، وما هي الشركات الوهمية التي كانت تأتي بالوافدين، مع كل أسف كلهم مواطنون كويتيون ولكن قلّ عندهم الوازع الديني والوطني.

نعم، إصلاح التركيبة السكانية مطلب مهم ولكن يجب أن يكون بخطة مدروسة وتخطيط سليم مع وجود رؤية واضحة إلى أين نتجه، البدء بالإصلاح دون النظر إلى الجانب الاقتصادي يتسبب بمشاكل كثيرة وكبيرة، وهي تركة سنوات متعاقبة، ولمعرفة ما يحدث حالياً ما عليك إلّا أن تسأل الذي لديه قسيمة في منطقة المطلاع عن زيادة أسعار الأيدي العاملة والبعض الآخر ترك العمل في هذه المنطقة.

إنّ دول العالم المتقدمة تسعى إلى إرضاء المقيمين العاملين في بلدانها خصوصاً في التخصصات المطلوبة والنادرة وإعطائهم مميزات وإقامات دائمة، وتوفير الراحة النفسية والاستقرار الأمني والأمان لهم بتقديم الخدمات، حتى يتمكنوا من تقديم خدمات أفضل للبلد الذي يعملون فيه، ولعل الأخبار خلال الأيام الماضية من الدول المجاورة كانت واضحة من الاستفادة من بعض الخبرات ما بين إقامة دائمة أو منح الجنسية، وكذلك قبل فترة أطلقت الحكومة البريطانية نظاماً يمنح تأشيرة‬ عمل لمدة عامين للحاصلين على درجة البكالوريوس أو الماجستير في آخر 5 سنوات من أفضل 50 جامعة في العالم، وحملة شهادة الدكتوراه بإمكانهم الحصول على تأشيرة مدتها 3 سنوات، وسيكون البرنامج متاحاً لخريجي أفضل الجامعات غير البريطانية الذين تخرّجوا في السنوات الخمس الماضية، بغض النظر عن مكان الولادة، كما أنهم لن يحتاجوا إلى عرض عمل من أجل التقديم.

وعندما ندير أموالنا الخاصة نبحث عن أفضل الكفاءات من دون النظر للجنسية، ولكن من الذي يُنمي لنا أموالنا أكثر ، والمعيار للكفاءة لأنها أموالنا الخاصة فنحرص عليها، فمؤسف ألا أهتم وأحافظ على أموال بلدي الذي نشأت به وما زلت أنا وأبنائي أستفيد من خيراته، ومَنْ يلاحظ الشركات الكبيرة الخاصة، فسيجد أن معظم الموظفين الكبار فيها من إخواننا الوافدين ويؤدون أعمالهم بكل إخلاص ومهنية.

فقط تخيل لو أن أحد أبنائك أو أحفادك بحث عن وظيفة ومصدر للرزق ولم يجد في بلده وظيفه، فقرّر الانتقال إلى بلد آخر كما يفعل بعض الشباب، فهل تقبل أن تُمارس عليهم العنصرية التي تمارس من البعض على الوافدين؟ ترى الأيام دول، وبالشكر والحمد تدوم النعم.