النقاش الدائر حالياً حول كيفية التعامل مع العجوزات المالية المتراكمة والآتية، يطرح أسئلة مفادها: هل الاقتراض من الخارج الأفضل أم مثلاً تسييل الدولة لبعض من مؤسساتها والشركات التابعة لها، وبنسبة كافية تغطي الدولة العجز المالي سواءً 5 في المئة إلى ما دون 50 في المئة لتكون دائماً المالك والقرار السيادي بيدها، كما فعلت «أرامكو» السعودية ببيع 5 في المئة من أسهمها، وقد تصل إلى 6 في المئة تقريباً مع قرار بيع كمية أخرى من أسهمها للخارج؟
وما هو الخطأ اذا ما باعت الدولة جزءاً من أصولها في شركاتها المملوكة لها بالكامل ما بين 40 في المئة وأكثر، أو ان تتخلص منها بالكامل وترجعها إلى ملاكها الأصليين المؤسسين من القطاع الخاص، بدلاً من الاقتراض من البنوك العالمية؟
يتماشى ذلك، مع أننا لا نستطيع أن نزيد من إنتاجنا من النفط الخام إلى معدل 3 ملايين برمياً من دون صرف مبالغ طائلة والحاجة الملحة إلى تدفقات مالية من الدولة للصرف على مشاريعها، وميزانيتنا المتزايدة طردياً، والحاجة والضرورة الماسة إلى الاستعانة بالشركات الأجنبية المتخصصة بزيادة انتاج النفط وبكلفة أقل.
وهذا يقودنا إلى العامل الأهم هو زيادة كلفة إنتاج النفط الكويتي إلى أكثر من 13 دولاراً للبرميل الواحد. وقد يكون الأعلى ما بين دول مجلس التعاون. في الوقت ذاته، وما يتطلب من صرف مبالغ طائلة للبحث والاكتشاف والتنقيب عن الغاز الحر، والذي نحن في أمس الحاجة إليه ومن تخفيف كلف استيراد الغاز من الخارج، وامتناع وزارة الكهرباء من استخدام واستعمال 30 في المئة من طاقة مصفاة الزور من وقود النفط، والتي بُنيت أصلاً لتوليد الكهرباء للاستهلاك المحلي.
هذه الزيادات المتسارعة والمطلوبة في المصاريف المختلفة والمتزايدة على الدولة تتسبّب مباشرة في عجز مالي حقيقي مستمر، خصوصاً مع عدم وجود موارد مالية أخرى. ومع تقلبات أسعار النفط وما بين (أوبك+) وتحديد وتوزيع حصص الإنتاج.
في ضوء ما تقدم، الكويت بحاجة إلى أن يكون سعر النفط المطلوب يفوق 90 دولاراً لتحقيق المعادلة المطلوبة لموازنة الدولة، وهذا الرقم سيرتفع صعوداً سنوياً مع زيادات المصاريف الآخذة في الارتفاع حالياً، ومن الصعب في الوقت نفسه أن يرتفع سعر البترول مع ارتفاعات الأسعار التعادلية في ميزانيات معظم دول الخليج و(أوبك +) عامة.
ومن هذا المنطلق، لا بد من إيجاد منافذ مالية أخرى لايجاد السيولة المطلوبة للحؤول دون الاقتراض من الأسواق العالمية في وقت تمتلك الكويت الشركات الحكومية ومن الممكن خصخصتها أو بيعها بالكامل. وخير مثال شركة أرامكو السعودية ببيعها أو خصخصة
5 في المئة من أسهمها مثلما تقدم للحصول على تدفقات مالية «كاش» من أجل تنفيذ وتحقيق مشاريع إستراتيجية تحقق لها عوائد مالية، ومن أجل أيضاً منافذ مالية جديدة للابتعاد بقدر الإمكان على المورد المالي الوحيد من النفط لمعظم دول الخليج.
لذا، افتراضاً لماذا الذهاب إلى الاقتراض والشركات الكويتية موجودة وتحقق أرباحاً يمكن الاستفادة من تدفقاتها المالية سواءً في سد العجز الحكومي المالي المستمر أو نهضة اقتصادية، فيمكن أن يساهم القطاع الخاص بجزء كبير فيها مثل تطوير الجُزر الكويتية وهي صناعة جديدة مدرّة للأرباح، ومن مساعدة الحكومة من إنشاء المساكن حيث ما يحتاجه القطاع الخاص هو توفير الأراضي لا غير.
بناءً على ذلك، ألم تكن الكويت السبّاقة أصلاً في إنشاء شركات نفطية وبتروكيماوية والناقلات للنفط والمشتقات النفطية، أليست الأرضية جاهزة للخصخصة وبتنفيذ المشاريع الإستراتيجية بمشاركة القطاع الخاص تحت إشراف الرقابات الحسابية؟
قد يكون الاقتراض الأسهل عملياً لكن علينا أن نجرّب ما علينا وما لدينا وما نمتلك أولاً.
كاتب ومحلل نفطي مستقل
naftikuwaiti@yahoo.com