لا يَترك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فرصةً إلا ويؤكد أنه لن يوقف الحربَ إلا بعد تحقيق أهدافه بالقضاء على «حماس». ولهذا هو يفاوض من خلال فريقه في الدوحة والقاهرة على أسسٍ تسمح له بالعودة إلى غزة حين يشاء ومنْع عودة الحركة إلى خط فيلادلفيا الممتدّ على طول الحدود مع مصر، ومن ضمنه معبر رفح.

ويتطلّب فرْضُ نتنياهو لشروطه وليّ ذراع المقاومة الفلسطينية، الإمعانَ في القتل والدمار لسكان غزة ما دام العالمُ يغضّ النظرَ عن قتْل المدنيين وتدمير المؤسسات ومن ضمنها التابعة للأمم المتحدة والمجموعة الأوروبية. وهذا الواقع بات يستوجب عملاً كبيراً يَفرض نفسَه على إسرائيل ويجبرها على الذهاب إلى التفاوض.

فماذا تحضّر جبهات الإسناد لفرْضِ وقْف حرب نتنياهو الشخصية والايديولوجية؟

قال وزير المال المتطرّف بتسلئيل سموتريتش، إن «إنهاء الحرب يعني أن حماس ستعود خلال عامين لِما كانت عليه قبل (هجومها) السابع من أكتوبر 2023. ولذلك ينبغي عدم الموافقة على صفقة الاستسلام (التبادل)».

ويُعتبر سموتريتش وكذلك وزير الأمن ومسؤول السجون ايتمار بن غفير من أشدّ الداعمين لنتنياهو ما دام يستمرّ بالحرب على غزة ويطلق يدهما في السجون لتعذيب وقتْل الفلسطينيين وفي بناء مستوطنات جديدة واغتصاب أراضٍ فلسطينية بدعم من وزارة المال.

وفي ظل التحضير لرحلته إلى واشنطن وإلقائه خطاباً أمام الكونغرس في 24 يوليو الجاري، يراوغ نتنياهو لكسْب الوقت اللازم له لبثّ أملٍ وهْمي قبل لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أَوْفَدَ ممثليه إلى تل أبيب والقاهرة والدوحة للعمل على وقف إطلاق النار قبل الانتخابات الرئاسية ليستعيد بعضَ ما خسره من المجتمع الأميركي بسبب دعمه المطلَق لإسرائيل وجرائمها في غزة.

إلا أن نتنياهو يَعلم أن حظوظ بايدن انخفضت بسبب خروج أصوات من داخل حزبه تطالبه بالتنحّي ما يرفع من حظوظ دونالد ترامب الذي يَعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي حليفاً لن يكفّ يده عن إكمال ما فعله في غزة وإطلاق يده في الضفة الغربية.

لذلك فإن مصلحةَ نتنياهو تقضي بالمراوغة في الوصول إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار حتى ولو وافق على المرحلة الأولى. وهذا يَعني أن إسرائيل بقيادة نتنياهو لن توقف الحربَ على الرغم من طلبات عدة من المؤسسة العسكرية والأمنية وعلى رأسها وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي أصبح مركزه مهدَّداً بعد تسريباتٍ عدة صدرت عن أطراف قريبة من رئيس الوزراء بخصوص تعيين جدعون ساعر مكان غالانت، ما يُكْسِب نتنياهو 6 أصوات إضافية داخل الكنيست إذا تم له ذلك.

ولكن غيوماً أخرى تلوح في الأفق. فقد كَتَبَ مراسل القناة 12 العبرية عساف روزنزويج، ان «قواتٍ كثيرةً دخلتْ أخيراً إلى سورية، قادمةً من العراق، وان احتمالات دخول سورية في الحرب لم تَعُدْ معدومة».

ويَتزامن ذلك مع تصريح غالانت حول أنه بَحَثَ مع المبعوث الأميركي «إيصال ذخائر مهمة سيتم إرسال بعضها إلى إسرائيل في غضون أيام».

وكَشَفَ رصْدُ حركة الطيران نحو مطار بن غوريون شحنات أسلحة مكثفة وصلت إلى إسرائيل، وهي تحمل نحو 3000 قنبلة كانت الولايات المتحدة قد حجبتْها عن تل أبيب منذ أشهر. وهذا يدلّ على تحرّكٍ غير مسبوق واستعدادٍ لحربٍ من نوع آخَر «تخشاه إسرائيل ولا تبادر له هي ابتداءً».

وقد توصّل «محور المقاومة» إلى حقيقةٍ راسخةٍ بأن جميع المحاور التي تدعم غزة لن تفرض على نتنياهو وقف الحرب. فقد أخذت أميركا وبريطانيا على عاتقهما جبهةَ اليمن التي تسبّبتْ بخسائر اقتصادية لإسرائيل من دون ثنيها عن أهدافها العسكرية تجاه الفلسطينيين. وكذلك العراق الذي أرسل مسيَّراتٍ وصواريخَ لم تصل جميعُها إلى أهدافها المرسومة في إسرائيل وتعترضها قواتٌ متعددة.

أما الجبهةُ اللبنانية التي استطاعت جذْب أكثر من ثلث القوات الإسرائيلية وتحمّلتْ خسائرَ بشرية بالمئات وتدمير عشرات القرى، فلم تستطع إقناع نتنياهو بالعدول عن أهدافه ضدّ غزة وتدمير القطاع والمقاومة.

ففي الأعوام السابقة، تدرّبت المقاومة الفلسطينية في دولٍ عدة تقع تحت السيطرة والنفوذ العملياتي لـ «محور المقاومة». وحصل الفلسطينيون على أسلحةٍ - عدا عن صناعتها المحلية - قدّمتْها إيران منذ التسعينيات.

وبناءً على طلب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، أرسلتْ إيران الأسلحة عبر البحر المتوسط والبحر الأحمر، وآخِرها المعروف كانت باخرة الـ KARINE A، التي أوقعتْها إسرائيل في البحر الأحمر.

وعام 2009 اعتّقل أحد القادة العملياتيين في «حزب الله» والذي اتُّهم بتهريب السلاح (إلى غزة). واستطاع الحزب تهريب صواريخ ليزرية من نوع KORNET وقطع أخرى مهمة.

إلا أن هذه المساهمة الماضية والحالية لعبتْ دوراً في شدّ عَضَد المقاومة ولكن ليس بالمستوى الذي يمكّن الفلسطينيين من إيلام الجبهة الداخلية الإسرائيلية بالمستوى الكافي.

فقد كتب مركز الدراسة الوطنية والأمنية الإسرائيلية INSS ان «الجمهور الإسرائيلي غير مهيأ لسيناريو حربٍ قاسية مع حزب الله. وقد لوحظ انخفاض في التضامن والثقة في مؤسسات الدولة في ظل الانقسامات الاجتماعية العميقة والخلافات السياسية والخطاب العام الإسرائيلي المسموم. وبدأت تَظهر الشكوك حيال الاستعداد الذهني للمجتمع الإسرائيلي لحربٍ صعبة وطويلة الأمد في الشمال ضد حزب الله».

إذاً لم يعد هناك أملٌ في وقْف الحرب على غزة بجبهاتِ الاسناد، بسبب تصميم نتنياهو على إكمال هدفه. ولذلك، واستناداً لِما قاله الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله من أنه «لن يسمح بسقوط غزة»، فعلى حلف المقاومة تغيير أسلوب العمل والأهداف ودرس احتمالاتٍ أخرى تتطلب أعداداً كبيرة من الخسائر البشرية والمادية. وهذا ما يجب أن تُظْهِرُه الأيام والأسابيع المقبلة.