في رحلة عمل انطلق بنا القطار من محطة مراكش باتجاه مدينة فاس مروراً بما لا يقل عن ثلاث عشرة محطة استغرقت الرحلة ست ساعات ونصف الساعة حتى الوصول لمحطة فاس، وفي أثناء هذه الرحلة الطويلة والممتعة في ذلك النهار يصعد ركاب وينزل آخرون مثل رحلة الحياة.
تصادف معنا في تلك الرحلة أحد العاملين في أحد مصانع الدار البيضاء، وكان حديثاً مطولاً عن الصناعة، ومن بعده تحدثت إحدى الأخوات في تلك الكابينة عن أبحاثها في علم النفس وهي تحمل درجة الدكتوراه وما أصاب الإنسان المعاصر من أمراض نفسية، والنتيجة أن الشفاء هو باليقين بالله عز وجل والتسليم والرضا بما قسَمَ الله لنا. تقول ان بعض الحالات تم شفاؤها ذاتياً نتيجة التوجه لله عز وجل.
وصلَ العبدُ لله، إلى مدينة فاس التي غزتها بعض شركاتنا الوطنية الكويتية بالاستثمار، وهو اختيار موفق، وجدت في انتظاري الصديق المعلم (مولاي عبدالله افلوسن) أطال الله في عمره، ومعه الأستاذ العزيز نبيل عبدالسلام، الذي يستقبلنا كل مرة بحفاوة وكرم بالغين، وقضينا بضعة أيام في فاس، ومنها توجهنا بالسيارة إلى طنجة برفقة مولاي عبدالله، أمير الرحلة، وكان المبهر في هذا الطريق، المساحات الخضراء الشاسعة من مزارع من القنيطرة إلى طنجة أغلبها مزارع الموز، وبعد خمس ساعات وصلنا إلى طنجة، فإذا بانتظارنا (سي سعيد) الذي لم يبخل بوقته وجهده وكرم أخلاقه بمرافقتنا بسيارته الخاصة طيلة إقامتنا في طنجة، ولقينا الأستاذ الشرقاوي، الذي أصرّ على الغداء عنده في ذلك اليوم.
ومن ثم ذهبنا في لقاء آخر حيث التقينا بأحد كبار رجال الأعمال في طنجة الحاج فوزي، الذي أصرّ علينا بالفطور في اليوم التالي ثم الغداء، وقد استمتعتُ لحديثه الشيق عن حجم الاستثمارات العالمية في طنجة، خصوصاً في مجال السياحة وصناعة السيارات التي بدأ المغرب في إنتاجها أخيراً وتصديرها للسوق المحلي والأوروبي.
وفي اليوم الثالث ولضيق الوقت قبلنا مضطرين أن نتغدى في ثلاثة أماكن عند ثلاثة أشخاص كرام، وما أدراك ما الكرم الطنجاوي، وصعقت عندما قال لي مولاي عبدالله، «نحن معزومون عند الأستاذ سي يوسف السراج، على العشاء»، التفت إلى سي سعيد، شاكياً له، قال وهو الغارق في الضحك لا مجال للتراجع عليك تنفيذ تعليمات أمير رحلتك وتلبية الدعوة، وبالطبع تخلل ذلك النهار وجبة خامسة عند الأستاذ الشرقاوي، وهو الذي يصرُّ إصراراً على أن نتناول عنده وجبه على الأقل كل يوم في تلك الزيارة.
ذهبنا للعشاء عند الأستاذ الكريم السرّاج، وكانت المفاجأة الجميلة وجود الصديق الرائع صاحب المواقف الشهمة الحاج عبدالرحمن، والذي شكوت له حالي مع الكرم الطنجاوي، قال تعشى ومن ثم استعمل الدرج صعوداً وهبوطاً حتى تهضم، واقترح على مولاي عبدالله، أن ينزلني في طريق العودة في منطقة ابن جرير وأعود ماشياً على قدميّ حتى مراكش (تبعد سبعين كيلو مترا).
المغرب بلد جميل بشعبه الكريم الأصيل المتحضر الذي يحب الآخرين ويرحب بهم في كل وقت، وولاية طنجة أسطورة من الجَمال، لها تضاريس جبلية رائعة حيث ترى أضواء المنازل ليلا تتناثر على جبالها كأنها نجوم في منظر بانورامي من على شارع محمد السادس البحري، والذي يتحزّم بواجهة بحرية حديثة يتوافد عليها الناس من كل مكان، وهناك وجدت تشابهاً بينها وبين بيروت خصوصاً على الكورنيش، وهي مدينة توجد فيها استثمارات خليجية ضخمة خصوصاً من الشقيقة الكبرى السعودية. دمتم بخير.
jaberalhajri8@