أعاد الناخبون، يوم الجمعة، الإصلاحيين إلى سدة الرئاسة في الجمهورية الإسلامية، بالتصويت لمسعود بازشكيان، الذي حض الإيرانيين على التمسك به في «الطريق الصعب» الذي سيمضي فيه، وذلك بعد فوزه في الجولة الثانية على منافس من غلاة المحافظين في الانتخابات الرئاسية، هو المفاوض النووي السابق سعيد جليلي.

وقال بازشكيان في منشور عبر منصة «إكس» إلى الشعب الإيراني العزيز: «انتهت الانتخابات، وهذه مجرد بداية لعملنا معاً. أمامنا طريق صعب. ولا يمكن أن يكون سلساً إلا بتعاونكم وتعاطفكم وثقتكم».

وأضاف «أمد يدي إليكم وأقسم بشرفي أني لن أتخلى عنكم في هذا الطريق. فلا تتركوني».

وأظهرت مقاطع مصورة نُشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مؤيدي بازشكيان وهم يرقصون ابتهاجاً في الشوارع، بينما يطلق سائقو السيارات أبواق عرباتهم احتفالاً بفوزه.

وكان جراح القلب البالغ من العمر 69 عاماً، تعهد بتبني سياسة خارجية عملية وتخفيف التوتر المرتبط بالمفاوضات المتوقفة الآن مع القوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 وتحسين آفاق الحريات الاجتماعية والتعددية السياسية، وإيجاد حل دائم لقضية إلزامية الحجاب.

لكن العديد من الإيرانيين يشككون في قدرته على الوفاء بوعوده الانتخابية، لأن المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، وليس الرئيس، هو صاحب السلطة الأعلى في الجمهورية الإسلامية.

نهج رئيسي

من جانبه، وصف خامنئي، الانتخابات بأنها «حرة وشفافة»، ونصح الرئيس المنتخب بمواصلة نهج الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي بـ«الموارد البشرية الشابة والثورية والمؤمنة».

وقال إن المرشحين وداعميهم يشتركون في «ثواب» مواجهة دعوات مقاطعة الانتخابات، مشيداً بزيادة الإقبال على الانتخابات.

كما تلقى بازشكيان تهنئة من منافسه جليلي، الذي قال في بيان إنه سيعمل «بكل جهده وقدرته، أكثر من أي وقت مضى، لدعم نقاط القوة والمساعدة في تصحيح الأخطاء وإصلاح النواقص في المسارات الحالية».

ورغم انتمائه السياسي للإصلاحيين والمعتدلين، يعد بازشكيان، موالٍ للحكم الديني، ولا يعتزم مواجهة الصقور الأمنيين الأقوياء والحكام الدينيين، وسبق أن تعهد في مناظرات ومقابلات تلفزيونية، عدم معارضة سياسات خامنئي.

وقال في رسالة مصورة للناخبين ​​«إذا حاولت ولم أنجح في الوفاء بوعودي الانتخابية، سأقول وداعاً للعمل السياسي ولن أستمر. لا جدوى من إضاعة حياتنا وعدم القدرة على خدمة شعبنا العزيز».

سياسة خارجية

وعزز فوز بازشكيان الآمال في تحسين علاقات طهران مع الغرب مما قد يوجِد مجالاً لتسوية خلافاتها مع القوى العالمية حول أنشطتها النووية، وسط شعاره «لن نكون مناهضين لا للغرب ولا للشرق»، آملاً خروج إيران من «عزلتها».

لكن في ظل النظام المزدوج الذي يجمع بين الحكم الديني والجمهوري، لا يستطيع الرئيس إحداث أي تحول كبير في السياسة بشأن البرنامج النووي أو دعم الجماعات المسلحة في مناطق مختلفة بالشرق الأوسط، إذ إن خامنئي هو من يتولى كل القرارات المتعلقة بالشؤون العليا للدولة.

غير أن الرئيس يمكنه التأثير من خلال ضبط إيقاع السياسة الإيرانية، وسيشارك بشكل وثيق في اختيار خليفة خامنئي، الذي يبلغ من العمر حالياً 85 عاماً.

برقيات تهنئة

إلى ذلك، توالت برقيات التهنئة للرئيس الإصلاحي.

وكتب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في برقية تهنئة لبازشكيان «بمناسبة فوزكم بالانتخابات الرئاسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يسرّنا أن نبعث لفخامتكم أصدق التهاني، وأطيب التمنيات بالتوفيق والسداد».

وأكّد تطلّع المملكة «إلى الاستمرار في تنمية العلاقات التي تربط بين بلدينا وشعبينا الشقيقين، ومواصلة التنسيق والتشاور في سبيل تعزيز الأمن والسلام الإقليمي والدولي»، وفق ما أوردت «وكالة واس للأنباء» الرسمية.

ونقلت «واس» عن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان «أعرب لفخامتكم عن أصدق التهاني وأطيب التمنيات بالتوفيق والنجاح والمزيد من التقدم والرقي لبلدكم وشعبكم الشقيق مؤكداً حرصي على تطوير وتعميق العلاقات التي تجمع بلدينا وشعبينا وتخدم مصالحنا المشتركة».

كما تمنّى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، «للعلاقات بين البلدين المزيد من التطور والنماء».

وكتب الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، على منصة «إكس»، «أتمنى لـ(مسعود بازشكيان) التوفيق في خدمة بلاده وتحقيق تطلعات شعبها، وأتطلع للعمل معه لما فيه الخير لبلدينا وشعبينا».

وأعرب العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى عن «الحرص على إقامة علاقات طيبة تقوم على التعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتعزيز الروابط الوثيقة معها».

كذلك، هنأ سلطان عمان هيثم بن طارق، الرئيس الإيراني المنتخب، معرباً عن أطيب تمنّياته له بالتوفيق والنجاح لتحقيق تطلعات وآمال الشعب الإيراني.

وأكد الرئيس السوري بشار الأسد، حرص دمشق على تعزيز العلاقة الإستراتيجية مع طهران، إحدى أبرز داعميه منذ اندلاع النزاع قبل أكثر من 13 عاماً.

وأعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في برقية تهنئة لبازشكيان عن «أمله في أن تسهم ولايتكم الرئاسية في تعزيز مستقبلي لتعاون ثنائي بنّاء وشامل لصالح شعبينا الصديقَين».

قسم اليمين خلال أيام

في ختام جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية، حصل مسعود بازشكيان على 53,6 % من الأصوات (16.3 مليون)، فيما حصل منافسه سعيد جليلي على 44,3 % (13.5 مليون)، بحسب النتائج النهائية التي أعلنتها السلطات الانتخابية.

وذكرت وزارة الداخلية ان 30 مليون ناخب (من أصل نحو 61 مليون يحق لهم الاقتراع) شاركوا في الانتخابات التي أُجريت من دون مراقبين دوليين معترف بهم.

وبعد جولة أولى في 28 يونيو شهدت نسبة مقاطعة عالية تجاوزت الـ 60 %، بلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية 49,8 %، وهي لا تزال منخفضة بالنسبة لانتخابات رئاسية إيرانية.

وبعد أن تؤكد الهيئة المعنية بمراقبة الانتخابات نتيجة التصويت ويصدق عليها المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، سيؤدي بازشكيان قسم اليمين أمام مجلس الشورى (البرلمان) في طهران خلال الأيام المقبلة.

«صوت الذين لا صوت لهم»

لم يكن من المتوقع أن يتمكّن مسعود بازشكيان النائب عن تبريز، أكبر مدينة في شمال غربي إيران، من الفوز بكرسي الرئاسة في إيران، عندما قبل مجلس صيانة الدستور طلب ترشّحه مع خمسة مرشّحين آخرين، كلهم من المحافظين، للانتخابات المبكرة.

وبازشكيان، ليس شخصية بارزة في معسكر الإصلاحيين والمعتدلين الذين تراجع تأثيرهم في مواجهة المحافظين في السنوات الأخيرة.

لكن الرجل الشديد التقوى تمكّن من كسب دعم هذا المعسكر، ولا سيما تأييد الرئيسين السابقين محمد خاتمي وحسن روحاني، وكذلك وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، مهندس الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع القوى الكبرى في العام 2015.

ويعتبر النائب منذ عام 2008 نفسه «صوت الذين لا صوت لهم». وهو ينتمي إلى أقلية من العرق الأذري ويدعم حقوق الأقليات العرقية.

وكان تقلد منصب وزير الصحة بين عامي 2001 و2005 خلال ولاية خاتمي الثانية.

وخلال حملته الانتخابية، أظهر بازشكيان تواضعاً، سواء في مظهره، إذ غالباً ما اكتفى بارتداء سترة عادية، أو في خطاباته التي خلت من أي مغالاة أو وعود كبرى.

وفقد بازشكيان زوجته وأحد أبنائه في حادث مروري في 1994. وعمل على تنشئة ولديه الناجيين وابنته بمفرده وفضل ألا يتزوج مُجدداً.

نهجا خاتمي وروحاني

شهدت الجمهورية الإسلامية، نهجين للإصلاح. الأول بين عامي 1997 و2005 عندما سعى الرئيس آنذاك محمد خاتمي إلى إجراء إصلاحات سياسية وبناء مجتمع مدني أقوى ومنح المزيد من الحرية للصحافة، لكنه واجه معارضة من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي والحرس الثوري صاحب النفوذ الكبير.

وقاد الرئيس البراغماتي السابق حسن روحاني نهج الإصلاح الثاني بين 2013 و2021 مستخدماً رصيده السياسي ضمانة لموافقة خامنئي على الاتفاق النووي لعام 2015 لكنه لم يترك شيئاً للإصلاحات الداخلية.