خلق الله البشر متفاوتين في شخصياتهم وصفاتهم، منهم شخصيات إيجابية تتمتع بالطموح والهدوء والدقة والمثابرة، ومع ذلك هي غير اجتماعية تميل إلى الانطواء، ومنهم شخصيات أخرى سلبياتها تفوق إيجابياتها؛ فهي كسولة لا تتحمل المسؤولية وتتكل على الآخرين، ولا تخطط للمستقبل، ومع ذلك هي شخصية طيبة حنونة عاطفية بعيدة عن الكره والحسد، وأخيراً نقف عند شخصية خطيرة متسلّطة، يغلب عليها الكِبر والأنانية والغرور وهي الشخصية النرجسية التي يتوجّب الحذر منها.

النرجسية شخصية مريضة مصابة بجنون العظمة، تعتقد أنها تستحق الإطراء من الآخرين بشكل زائد، حيث ظنت أنها نادرة الوجود، وأنها في القمة وبقية الناس في الأسفل، يشعر أصحابها بالعظمة والتجبر واستصغار الآخرين حيث يتعاملون مع غيرهم بفوقية مفرطة، ويرون الآخرين مجرد أدوات، مثل رجل صعد إلى مكان عال وأخذ ينظر للناس فيراهم صغاراً فيحتقرهم، ولا يعلم أنهم يرونه حقيراً صغيراً، لما يعاني منه من اضطرابات شخصية وأمراض نفسية.

ينطبق عليه مقولة: (أنا ومن بعدي الطوفان) فهو وصف لكل من لا يرى إلا نفسه ومصالحه الشخصية، حتى لو كانت تحمل ضرراً على غيره وتدمر حياة الآخرين، لينال المنافع بعد دمارهم، صاحب هذا المبدأ الهدّام مريض لا يصلح للإدارة حتى لو كان ذا خبرة وعِلم؛ لأنه لا يريد أن ينفع غيره؛ فلن تستفيد أماكن العِلم والعمل منه، ولن يتطور العمل بإشرافه أو إدارته، بل هو الأصل في تجميد الإدارة وخرابها.

لا يعترف بأخطائه وينسب الخطأ أو المشكلة لغيره، ويحاول الانسحاب من تلك المواقف ولا يهتم لإصلاح ما فات ولا يفكر في تطوير جهات العمل، ولذلك تجد الفساد وضياع الحقوق يزداد في بعض الجهات بسبب هؤلاء القادة الذين لا يلتفتون إلى مصالح الآخرين.

يجب وبشدة الانتباه والحذر منهم؛ لأنهم يحاولون استغلال الأشخاص العاطفيين والتلاعب بمشاعرهم للحصول على ما يريدون، وقد يصل ذلك إلى صنع المؤامرات والمخططات ضدك، وهو ما أشار إليه أطباء علم النفس، فلا تتوقع من هؤلاء خيراً لأنهم فئة لا تحب إلا نفسها.

النرجسي مثالي في نظر نفسه، ويظن أنه من الطبيعي شدة الإقبال عليه لأخذ شيء من علمه أو اختياره للمنصب العالي وأنه يستحق امتيازات حتى لو كان مكتباً أو سيارة، وله معاملة خاصة ولا يليق به الجلوس إلا مع أشخاص مميزين مثله ويظل هو أعلاهم، وهي خيالات وأوهام يظنها حقيقة.

من الصعب جداً تكوين علاقة حقيقية أو التعايش معه خصوصاً إن رأيت منه الازدراء والتقليل من شأنك وشأن الآخرين، الأفضل تخفيف علاقتك وتقليل الاتصال معه تدريجياً حتى تبتعد عنه تماماً.

الإنسان السوي يعرف منزلته، وليس بحاجة إلى أن يرفعها ويعطيها أعلى مما تستحق، وإن شعر بالعلو والكبر فإنه على خطر عظيم، وعليه الانتباه قبل السقوط والهلاك.