عندما استقلت سنغافورة عن ماليزيا في العام 1965، كانت دولة فقيرة، ونسبة الأُمية فيها مرتفعة، لكنها الآن تعد أحد أبرز الدول عالمياً من حيث القدرة التنافسية الاقتصادية ما حيّر العالم وماليزيا نفسها قبل أن يهتدوا إلى أن شيفرة السر كانت «النهوض بالتعليم».

فالحكومات المتعاقبة على سنغافورة منذ استقلالها، تبنت سياسات ومبادرات متعددة مبنية على بعضها البعض في الارتقاء التدريجي بمناحي العملية التعليمية كافة، من حيث تطوير وتحسين المناهج، ورفع أجور المعلمين، وبناء المدارس، وتعزيز التربية الصحية الداعم للتعليم الناضج المسؤول، ما أدى إلى ارتفاع المستوى التعليمي والتربوي كماً ونوعاً، ومن ثم انتعاش اقتصاد الدولة ونموها السريع.

في الكويت، والتي بالمناسبة نالت استقلالها قبل سنغافورة بأربع سنوات لم يعد تدني جودة التعليم الذي وصل إلى مستوى مُزرٍ كماً وكيفاً كل خطايا من أدار هذا الملف، فهناك مرض مستشرٍ في الجسد التعليمي والتربوي مسكوت عنه سنوات طويلة رغم مخاطره الوجودية، ويتمثل في استباحة الغش من الطلاب وأولياء أمورهم، مستغلين الضعف التعليمي منهجاً ومخرجاً للدرجة التي بات معها السؤال التقليدي لشريحة كبيرة من الأهل لأبنائهم عقب كل امتحان «بشّر خلوكم تغشون»؟!

وأمام هذا الانهيار التربوي والتعليمي لم تكن مفاجأة اختراق المطبعة السرية التي لم يعد لها من اسمها أيّ نصيب لتسريب الامتحان تلو الآخر عبرها إلى مجاميع ترفع شعار «من غشنا فهو منا»!

ورغم أن التعليم سبيل التنمية الذاتية وطريق المستقبل المزدهر للمجتمعات. كونه يطلق العنان لشتى الفرص ويحدّ من أوجه اللامساواة. والحجر الأساس الذي يقوم عليه المجتمع لا تزال منظومة التربية والتعليم في الكويت تفتقد لأساسيات التربية والتعليم الصحيحة، ما يجعلها هشة البنية غير مؤهلة لمواكبة تصحيح المسار المستهدف ولا تواكب مخرجاتها خطة تنمية الكويت 2035.

ولعل ما يزيد مرارة ومخاطر الفشل التعليمي المؤلم في الكويت وقبل ذلك السكوت عن تنامي هذا الواقع السلبي أنه رغم جميع مساوئه يحظى بأعلى معدلات الإنفاق عالمياً، حيث تشير التقارير إلى أن معدل تكلفة الطالب في التعليم العام يقارب 5500 دينار، وفي جامعة الكويت نحو 6500 دينار، ويرتفع المعدل إلى 6900 دينار للدراسات العليا، في حين أن مخرجات التعليم العالي ليست لها علاقة قوية بحاجات سوق العمل.

والأسوأ أن تدني جودة التعليم تسبب حسب دراسات أعدّت في هذا الخصوص بفجوة تعلم تبلغ 4.8 اعوام، إذ إن مستوى خريج الصف الثاني عشر يكافئ مستوى خريج الصف السابع في دول متقاربة الدخل مع الكويت. فيما لا تتعدى نتائج الطلبة في امتحانات الثانوية العامة ومستواهم التعليمي حسب هذه الدراسات الصف الثاني متوسط بحصد درجات لا يحصدها طلبة الدول المتفوقة تعليمياً.

وبالطبع، كل ما سبق يخالف القاعدة التنموية البدهية التي تفيد بأن التعليم صانع الإنسان، كما يعاكس أدبيات الاقتصاد التي تؤكد جميعها أن الإنسان وسيلة وغاية التنمية.

وما يستحق الإشارة أن العلاقة العكسية بين ارتفاع مستويات الإنفاق على التعليم وانحدار مستواه بالكويت تكمن في خطيئة إدارة ملف التربية والتعليم منذ الغزو بآليات عزّزت انهياره أكثر وتجاهلت مخاطر تنمية البشر الذين يمثلون بوابة أي تنمية مستدامة.

الخلاصة:

علاوة على التحريم الديني والأخلاقي القطعي لظاهرة الغش لا يمكن التقليل من مخاطر أن يقود البلاد مستقبلاً قيادات نجحت علمياً بالغش، وعندما تضطر الأجهزة الأمنية للتدخل لمكافحة آفة الغش في الامتحانات المهددة لمستقبل البلاد يتعين أن يكون ذلك جرس إنذار لجميع قيادات الدولة بمختلف مراكزهم، ما يستوجب معه سرعة توفير معالجات متقدمة للتصدي لهذه المخاطر التي يشكل استمرار تجاهلها جريمة في حق الوطن والمواطنين.

قد يكون صادماً القول إن نتائج إصلاح التعليم في الكويت كما ينبغي وكما يستحق من جراحات دقيقة وملحة قد تستغرق جيلاً كاملاً، ما يتطلب التحرك سريعاً وبقوة لإحداث نفضة قوية في هذا القطاع.

ومن دون وضع إستراتيجية صحيحة والتقيد الصارم بها، سيكون أي حديث عن نهضة التعليم مجرد سراب، وسيكون أثر ذلك المدمر متصلاً بكل فشل يحدث في مختلف ملفات التنمية المطلوبة على كل الأصعدة، باعتبار أن التعليم الحجر الأساس لنهضة أي أمة ترغب في النهوض.