هل هو إمعانٌ في اللعب على حافة الحرب الواسعة لتجنُّبها ورفْدِ حركة «حماس» بعناصر قوة لتحصيل أفضل الشروط في «الرصاصة الأخيرة» الديبلوماسية التي يشكّلها «مقترح بايدن» ولرسْم «الميزان» في ما خص جبهة لبنان وترتيبات إطفاء حريقها على متن اتفاقٍ حدودي تعمل عليه واشنطن؟ أم هو «لعب بالنار» قد يُفْضي بخطأ كبير في التقدير من «حزب الله» أو بقرار كبير من اسرائيل إلى فتْح «صندوقة باندورا» على «بلاد الأرز» التي لم تنجح منذ خريف 2019 في قفل «بوابات جهنم» المالية والسياسية التي تكاد أن تحوّلها... حطاماً؟
سؤالٌ لا يعلو فوق صوته في بيروت إلا صوتُ المواجهات التي ترتفع ضراوتُها على مقلبيْ الحدود اللبنانية والاسرائيلية حيث يبدو كل من «حزب الله» وتل أبيب وكأنهما «شَحَذا السكاكين» استعداداً لصِدامٍ لا يحبّذه ولا يريده أي منهما، ولكن احتمالاتِ حصوله تبقى قائمةً من خلف توازن الرعب الذي يجري ترسيمه و«تحديثه» تباعاً على أنقاض «توازن ردع» تجاوزْته الوقائع منذ أن:
- ضَغَط َالجيش الاسرائيلي على زرّ التدمير الشامل لقرى الحافة الحدودية في جنوب لبنان التي بقيت (بعد حرب 2006) محميةً بما اعتُقد أنه معادلة قوةٍ أرستها «المقاومة الاسلامية»، واتضح أنها كانت مرتكزة واقعياً على مظلة القرار 1701.
- ومنذ أن تَجَرأ حزب الله في 8 أكتوبر على «الطلقة الأولى» وأتْبعها بحرق خطوط حمر عدة باستهدافات نوعية في شمال اسرائيل التي لم تنجح منذ ذلك التاريخ في استعادة زمام المبادرة والخروج من موقع الدفاع الى الهجوم.
ورغم أن سؤالَ «حرب أو لا حرب» والجواب عليه بدا بمثابة «عَصْفٍ فكري» في ظلّ «صفر تأثير» السلطات الرسمية كما كل القوى المعارِضة لـ «حزب الله» على المسارِ الذي يرتأيه منفرداً لـ «اليوم التالي» في معركةٍ مفتوحة حتى وقْف حرب غزة وأَمْلَتْها اعتباراتُ المحور الإيراني التي ما زالت تتحكّم بـ «جرعاتِ» المواجهات ومداها، فإنّ «مناخاتِ الحرب» التي ازدادتْ حضوراً في المزاج اللبناني العام جعلتْ الكواليس السياسية تضجّ بقراءاتٍ وتحليلاتٍ عما قد يكون على جبهةٍ لا تنفكّ تتمدّد، في الوقت الذي يلهو الداخل بعناوين مثل الأزمة الرئاسية ومحاولاتِ إنهاء الاستعصاء الذي يحكمها منذ خريف 2022 عبر مبادراتٍ لم تَعُدْ كفيلة بتبديل قاعدةٍ «تسلّلت» إلى الملعب الرئاسي متخفّية بشروط مثل الحوار أو التشاور للتوافق على رئيسٍ أو معايير للمرشّحين، في استنساخٍ ضمني لـ «مجلس صيانة الدستور» الإيراني، وفق تعبير مصدر في المعارضة.
وغداة كلام المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية في إيران السيد علي خامنئي عن «عدم فهْم النظام الصهيوني حقيقة أن ثمة جبهة كبيرة في المنطقة اسمها جبهة المقاومة»، وإعلانه «ان جيشاً يزعم أنه من الأقوى في العالم تمت هزيمته ليس من حكومة قوية بل من مجموعات مقاومة مثل «حماس» و«حزب الله»، لم يَعُدْ ثمة ستاراً يُخْفي أن طهران تدفع بأذْرعها - وإن مع احتسابٍ كبير في ما خص الحزب وعدم كشْفه على «حرب يا قاتل يا مقتول» كونه حجر الزواية في قوس محور الممانعة – لتشديد القبضة وتسديد ضربات أقسى لتل أبيب بهدف حماية حماس المنهَكة وإسنادها في شرط تحصيل ضماناتٍ بوقفِ إطلاق نار دائم وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة، وهو ما سيفتح كوّة موازية على الجبهة اللبنانية التي تحظى بعناية أميركية خاصة.
وإذ برز أمس الإعلانُ عن أول «عملية مشتركة» بين الحوثيين وفصائل عراقية استهدفت على مرحلتين 3 سفن في ميناء حيفا، فإنّ الرياح الساخنة على الجبهة اللبنانية - الاسرائيلية بدت محكومةً بكلامٍ أميركي يَعكس أن واشنطن تدير ملف غزة ومقترح بايدن بخلفيةٍ رئيسيةٍ هي قطع الطريق على انزلاق الجبهة اللبنانية إلى حرب واسعة وتعبيد مسارٍ لاستئناف الموفد آموس هوكشتاين مهمته، كما بتضارُبٍ في الأولويات داخل تل أبيب بين تحقيق أهداف حرب غزة أولاً أو الارتداد إلى الشمال أولاً لوقف استنزاف إسرائيل وهيْبتها، وهو ما يعني في أي حال صعوبة الخوض في جبهتين معاً وتأنٍّ في فتْح «باب الجحيم» من الشمال ما دام ثمة فرصة للديبلوماسية ما أن تنتهي حرب القطاع.
جاهزية إسرائيلية
وإذا كان مؤيّدو محور الممانعة يعتبرون أن هذا التأني الاسرائيلي يثبث توازن الرعب الذي بات قائماً مع «حزب الله»، لدرجة أن تل ابيب تحتسب حتى الساعة لخرق جدار الصوت فوق بيروت وضاحيتها الجنوبية، متوقفين عند تقارير في صحف اسرائيلية عن «ان حزب الله حوّل الجليل حقل تجارب من خلال سلاح جو مصغر (سلاح المسيّرات)»، وعند تَجَرُّع تل ابيب «تسونامي النار» الذي أحدثه الحزب في مستوطنات شمالية وصولاً للضربة المؤلمة أول من أمس ضد ثكنة حرفيش الواقعة في مستوطنه الكوش (ما ادى لمقتل ما لا يقل عن جندي وجرح 11)، فإنّ مواقف اسرائيلية عدة صدرت تحت سقف «الجاهزية» للتعاطي مع خطر الشمال.
وإذ كان قائد القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي يؤكد «أكملنا استعداداتنا لشن هجوم في الشمال وقواتنا قادرة على مواجهة أي مهمة ضد حزب الله»، دعا عضو «كابينت الحرب» بيني غانتس، السلطات المحلية في شمال إسرائيل للاستعداد لأيام صعبة قد تتحوّل إلى حرب حقيقية.
وقال إن «الحكومة اللبنانية لا تريد اندلاع حرب واسعة وعليها الضغط على حزب الله»، وذلك بعدما كان الوزير المتطرّف إيتمار بن غفير طالب بـ «وجوب شنّ حرب شاملة على حزب الله والدخول إلى لبنان والقتال هناك».
بالتوازي مع توجه وزير المال بتسلئيل سموتريتش إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو«أذهب إلى الحرب مع حزب الله، وأخضعه ودمّره وحرّك الشريط الأمني من الجليل إلى جنوب لبنان».
مُحاكاة رقمية
وفي المقابل جاءت «جردة» قدّمها الباحث تال بيري، رئيس قسم الأبحاث في معهد «ألما» الإسرائيلي، لِما سينتظر تل أبيب في حال الحرب الواسعة مع «حزب الله» لتؤشر من جهة إلى دقة الحسابات الاسرائيلية في هذا الإطار كما أنها تنطوي في جانب آخَر على رسالة بأن ترسانة «حزب الله» معروفة بالأرقام.
وإذ رأى بيري أن القوة النارية الرئيسية لـ«حزب الله» هي الصواريخ والقذائف، ويمكن أن تستهدف كامل أراضي إسرائيل بقدرة إطلاق نار دقيقة «أما المنطقة التي ستتعرض بشكل رئيسي لكمية كبيرة من النيران، فهي المنطقة الشمالية بأكملها حتى حيفا»، قدّر أن الحزب يملك 150 ألف قذيفة هاون، و65 ألف صاروخ يصل مداها إلى 80 كلم، و5000 صاروخ وقذيفة يصل مداها إلى 80-200 كلم، و5000 صاروخ يصل مداها إلى 200 كلم أو أكثر، و2500 طائرة من دون طيار، ومئات الصواريخ المتطوّرة، مثل الصواريخ المضادة للطائرات أو صواريخ كروز. وأنه في حالة اندلاع الحرب، سيرسل «حزب الله» آلاف الطائرات من دون طيار والصواريخ إلى إسرائيل كل يوم.
كما توقّع أن «يكون الخط الجنوبي - الخضيرة ونتانيا وغوش دان - في مرمى النيران، لأن منطقة غوش دان تُعتبر ذات قيمة بالنسبة للحزب، وسيركز جهوده هناك. وسيتم استهداف هذه المنطقة باستخدام صواريخ، بعضها دقيق، وغالبيتها صواريخ باليستية، بما في ذلك صواريخ «فاتح 110» التي يصل مداها إلى 300 كيلومتر، مقدراً أن يتم إطلاق الصواريخ من العمق اللبناني، «كمنطقة بيروت أو البقاع، حيث توجد مواقع (حزب الله) وتشكيلاته الاستراتيجية ومنصات الإطلاق والبنية التحتية».
والأهمّ في استشراف بيري توقعه أن «يحاول (حزب الله) تنفيذ غزو برّي في الجليل، وسيحاول بالتأكيد التسلل عبر العشرات إن لم يكن مئات العناصر، مع العلم أن وحدة الرضوان قادرة على القيام بذلك، وكل ما يحتاجون إليه هو تلقي التعليمات والأوامر».
وعلى وقع هذه الإحاطة، لم يهدأ الميدان جنوباً حيث رفعت اسرائيل منسوب القصف التدميري بالغارات و«القصف الفوسفوري» واستأنفت الاغتيالات لعناصر من «حزب الله» على درّاجات نارية أو في سيارات كما فعلت على دفعتين أمس في بلدة عيترون (سقط عنصر من الحزب على الاقل«التي لحق بها دمار هائل.
وردّ "حزب الله" باستهداف مقرّ قيادة الفرقة 91 في ثكنة برانيت وتموضعات الجنود في محيطها بصواريخ «فلق 1»، قبل أن ينفّذ عمليات أخرى.
صواريخ دفاع جوي
وفي مفاجأة نوعية جديدة، أعلن «حزب الله» مساء أمس، أنه «دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، أطلقنا صواريخ دفاع جوي على طائرات العدو الحربية التي كانت تعتدي على سمائنا وخرقت جدار الصوت في محاولة لإرعاب الأطفال ما أجبرها على التراجع إلى خلف الحدود».
هجوم السفارة
ولم تحجب هذه التطورات الأنظار عن الهجوم المسلّح على السفارة الاميركية في عوكر، أول من أمس، حيث استمرت التوقيفات في البقاع (مجدل عنجر والصويري خصوصاً) التي بلغت 16 شخصاً، أفيد بأن بينها رجل دين ثان، وسائق الفان الذي استقله المهاجم السوري قيس الفراج.
وبحسب التحقيقات الأولية، فإن الفراج، الذي أعلن أنه نفذ الهجوم نصرة لغزة، هو«ذئب منفرد»، وليس ضمن خلية وأنه يؤيد فكر«داعش» وأنه اشترى السلاح والذخيرة من ماله الخاص واستطلع موقع السفارة الأميركية عبر Google كما ذكر تلفزيون LBCI.