ليس المشكلة فقط في احتلال إسرائيل للبقعة الجغرافية المسماة فلسطين، لكن المشكلة الأكبر في أن إسرائيل تمثل عالَماً أكبر جغرافياً من الأرض التي تحتلها، وهو بلا شك عالم مادي جشع وقاسٍ، تتمثل إحدى صور وحشيته في ما يحدث في فلسطين كاحتلال بشكل عام، وما يحدث الآن في غزة من قتل بالجملة بشكل خاص.
اللوبي الصهيوني إن صح الوصف، هو أكبر من بقعة محتلة رغم أهميتها، هو نفوذ كبير قد يكون مهيمناً في الاقتصاد العالمي، ووسائل الإعلام بأشكالها وأنواعها وعلى كثير من السياسيين ومؤسساتهم ومراكزهم، نفوذ أخطبوطي يصعب تعقبه ممتد عبر شرايين العالم المعاصر.
عروض مأسوية حمراء تستعرضها القنوات الفضائية بقاني الدم الملطخة به أكفان الأطفال والنساء والشابات والشباب كما الورود التي عصفتها ريح عاتية على حين غفلة. هل يشكر المُشاهد الفضائيات على اتحافه كل صبح وكل عشية بهذا الاستعراض اليومي الدامي للجثث، جثث الأبرياء المظلومين، أم على المُشاهد أن يستنكر هذه الصور اليومية التي تبثها فضائيات عربية أو مسلمة؟ فقد كسرت هذه الصور قلوب البعض وجعلت قلوب آخرين قاسية لا تحرّك الصور المفجعة مشاعرها.
بماذا تفيد الصور، صور الدماء والأشلاء المقطعة اذا لم يصاحبها موقف حازم وصريح وجريء ضد الكيان الإسرائيلي المحتل وضد داعميه، فلم يعد التعاطف اللفظي من دول لها إمكانات كبيرة مجدياً لوقف تمادي إسرائيل في الاستمرار بهجومها الوحشي على غزة.
خمسة وثلاثون ألفاً من القتلى أكثرهم كما تثبت الأرقام من النساء والأطفال في ظرف سبعة أشهر، وأضعافهم من الجرحى وأضعافهم من المشردين في قطاع صغير، قطاع تحولت أكثر مبانيه إلى أنقاض وخراب نتيجة آلة الحرب الإسرائيلية.
المحكمة الجنائية الدولية تسعى لإصدار مذكرات توقيف بحق مجرمي الحرب في تل أبيب، ولو أن موقفها ليس منصفاً مع الفلسطينيين وهم الضحية، إلا أن بعضاً من أعضاء أكبر مؤسسة برلمانية ديموقراطية مارسوا ضغوطاً على المحكمة عبر اقتراح عقوبات على أفرادها حتى لا تتم إدانة أو ملاحقة أي مسؤول في إسرائيل، نعم إنه عالم إسرائيل القاسي.
عالم إسرائيل القاسي هو عالم ضد الرحمة عالم شهواني عنيف لا يعرف إلا شهوة البطن، ويتبع أشد أنواع العنف لتحقيق ذلك.
إنه عالم مُعادٍ للفطرة، عالم يريد أن يمحو البيت والأسرة والذّكر والأُنثى وما يتعلّق بهما من حب وغرام ومشاعر ومودة. عالم يريد أن يمحو البنت بدلالها في البيت والولد بعنفوانه، ويطلق بدل من ذلك اسم هجين «مثليين» على مخلوقات هجينة يختلقها.
إنه عالم اسرائيل والصهيونية القاسي المتوحش الذي يريد أن يكون الرجل كالمرأة والمرأة بنعومتها كالرجل، فيقحمها في الأعمال الشاقة وفي جبهات القتال من دون ضرورة تُذكر.
رغم ذلك فقد حرّكت دماء أهل غزة المظلومين مشاعر شباب الغرب وشاباته، وقام كثير منهم بكسر قيود الشهوة الذي يريد أن يقيدهم بها هذا العالم الصهيوني المادي والقاسي، فملأت صيحاتهم حرم الجامعات، وتحول كثير منهم لحالة من الوعي التي يخجل أمامها دول وشعوب عربية ومسلمة، حتى صدق فيهم وفي الدماء المسفوكة التي حرّكتهم قول الشاعر الجواهري:
أتعلم أم أنت لا تعلمُ
بأن جراح الضحايا فمُ