اعتاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتكرار جملة «معاداة السامية» وجعلها سلاحاً له منذ بداية الحرب على غزة وإلى يومنا هذا، فماذا تعني «معاداة السامية»، وما هي قصة الساميين، ولماذا يستخدم العدو الاسرائيلي هذا السلاح اللغوي ضد من ينتقدهم أو يقف وراء منهجهم المنحرف، وهل الساميون هم قبائل من اليهود حقاً؟!
الساميون ينسبون أصولهم من سام بن نوح عليه السلام، وهم شعوب تنتشر في جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، وتجمعهم لغات ذات خصائص مشتركة، فالساميون هم (الكنعانيون والعبرانيون والعرب) وغيرهم، وبالتالي جملة معادة للسامية التي يرددها نتنياهو دائماً يفترض أن تعني العداوة لكل هؤلاء، ولكن كما يقال هناك شيء غامض خلف الجدار، وأقصد هنا أن المصطلح الذي ابتدعه الصحافي الألماني Wilhem Marr يعني بالنسبة له التمييز ضد اليهود عرقياً أو دينياً، أي أنه يحصر عرق لقب السامية لليهود فقط!
ورغم أن العرب جميعهم يندرجون تحت التصنيف ذاته إلا أن تهمة معاداة للسامية تطولهم أيضاً خصوصاً مع تطور المقاومة ضد إسرائيل، وبالتالي كانت جملة «معاداة السامية» هي الدافع الحقيقي التي طالت اليهود ولكن هذا المصطلح تحول بغفلة من الزمن إلى سلاح تستغله إسرائيل دائماً لإسكات الأصوات المعارضة لسياساتها الهمجية حتى أصبح التفريق بين معاداة اليهود كمجموعة عرقية أو دينية وبين معاداة إسرائيل أمراً صعباً، وبالتالي أصبح منهج وزارة الخارجية الأميركية «أنتم معادون للسامية» إذا رفضتم الاعتراف بشرعية اسرائيل أو حمّلتم اسرائيل مسؤولية التوترات الدينية والسياسية في المنطقة، أو حتى أنكرتم حق اليهود في تقرير مصيرهم أو شككتم في الأرقام المنشورة عن الاعتداءات التي تعرّضوا لها!
وبالتالي نرى أن أي ظواهر معادية للتوجه الصهيوني تخرج للعلن تعتبرها إسرائيل هي معاداة للسامية حسب مفهومها الأعوج، وكان آخرها ما حدث في ساحات الجامعات الأميركية في معظم الولايات المتحدة، اذ اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هؤلاء الطلبة من جميع الجنسيات الموجودة بأنهم عصابات معادية للسامية، لأنهم بوصفه استولوا على الجامعات الأميركية اللامعة رغم أن الكثير منهم طلاب يهود في جامعة Michigan يعتصمون فيها حتى تنأى الجامعة بنفسها عن إسرائيل، حيث قال أحدهم لا أحد منا حراً حتى نصبح جميعاً أحراراً... بينما خطاب نتنياهو ادعى فيه أنهم يدعون إلى إبادة إسرائيل!
وفي المقابل قال أحد الطلبة اليهود ويدعى جوي، وهو عضو تجمع «يهود من أجل وقف النار الآن» طالب فيه إدارة الجامعة وضع حد للقمع الأميركي المستمر على الطلبة والأساتذة المحتجين المدافعين عن حرية فلسطين، إلا أن رد نتنياهو في خطابه كان مختلفاً حيث قال إنهم يهاجمون الطلبة اليهود، علما بأنهم كانوا يرددون جملة واحدة وهي: «دعوا غزة تعيش.. دعوا غزة تعيش...، وهناك أيضاً طالبة يهودية أخرى تدعى سارة، حيث تقول إنها لم تشعر قط بالفخر لكونها يهودية وأكثر انسجاماً مع قيم دينها أكثر مما شعرت به عندما أخرجوها من حرم جامعة Columbia، مكبلة اليدين خلف ظهرها مع 107 طلاب آخرين ونحن نخاطر بسلامتنا والمنع من الحضور إلى الجامعة من أجل دفع جامعتهم إلى الابتعاد عن الإبادة الجماعية والفصل العنصري واحتلال فلسطين.
في حين يتهمهم نتنياهو بأنهم يهاجمون الجامعات اليهودية، ولكن نشاهد الطلبة اليهود يؤدون طقوسهم الدينية براحة وهدوء وسلام في جامعة Columbia، وكذلك طلبة يهود آخرون يحتفلون بعيد الفصح خلال عملية الاحتجاجات الطلابية. فيما قال نتنياهو معترضاً، إن هذا التصرف يذكرنا بما حدث في الجامعات الألمانية في الثلاثينات، وهذا حسب تقديره غير مقبول، لذلك يجب أن يتوقف هذا التصرف الجماعي للطلاب، ويجب أن يدان ويدان بشكل متكرر لا لبس فيه، وقال ليس فقط لأنهم يهاجمون إسرائيل فهذا شيء بما يكفي، وليس فقط لأنهم يريدون قتل اليهود أينما كانوا، وهذا سيئ بما يكفي ولكن لأنه حين تسمعهم فإنهم لا يقولون فقط الموت لإسرائيل، الموت لليهود، وإنما الموت لأميركا... إلا أن الواقع يقول إن ما يحدث في الاحتجاجات الطلابية هو العكس تماماً، فالطلبة كانوا يرددون شعار «دعوا غزة تعيش»، ولم يشيروا إلى جملة الموت لليهود أو الموت لأميركا، وكذلك فلسطين حرة حرة... إذاً لا يوجد شيء من هذا القبيل أمام اتهامات نتنياهو في الخطاب المتلفز، وليس هناك تصاعد لمشاعر معاداة السامية أبداً حتى تكون نتائجها فظيعة.
ولكل حادث حديث،،،
alifairouz1961@outlook.com