برحيل الشاعر الكبير الأمير بدر بن عبدالمحسن، تفقد الكلمة العذبة مهندسها، وتغيب شمسها التي كانت تشعّ في سماء الشعر في المملكة العربية السعودية والخليج والعالم العربي.
رحل «البدر» اليوم في العاصمة الفرنسية عن عمر ناهز 75 عاماً بعد معاناة مع المرض، تاركاً وراءه غصة في قلوب محبّي معانيه الجزلة، والتي رفرفت على أنغام الموسيقى، وغاصت في بحور الشعر مستخرجة كل ما هو ثمين ونفيس... فـ «ذبلت أنوار الشوارع وانطفى ضي الحروف».
ولعل الحس الشعري لمَنْ كتب الروائع، ألهمه الشعور بقرب رحيله، فكتب قبل أيام من وفاته على منصة «إكس»، «الناس ما همَّها ظروفكْ.. كود الذي يحزن لغمّكْ /
وإن شلت حملك على كتوفكْ.. بتموت ما أحدٍ ترى يمّكْ».
أبرز رواد الحداثة الشعرية
ويُعد الراحل من أبرز رواد الحداثة الشعرية في المملكة العربية السعودية. وله مجهودات كبيرة في وضع نصوص أدبية ذات مستوى راقٍ تجمع بين الغزل والفخر والرثاء والواقع الاجتماعي والسياسي للمملكة والعالم العربي.
زامل الأمير بدر بن عبدالمحسن شعراء كبار في السعودية، منهم: محمد العبدالله الفيصل وخالد الفيصل وخالد بن يزيد ومحمد بن أحمد السديري وعبدالرحمن بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود وغيرهم الكثير.
كما تعاون مع الكثير من الملحنين، من أبرزهم سراج عمر محمد شفيق سامي إحسان وعبدالرب إدريس.
ومن المطربين الذين تغنوا بقصائده، التي لامست المستمعين، طلال مداح ومحمد عبده وعبادي الجوهر وعبدالمجيد عبدالله وخالد عبدالرحمن وعبدالكريم عبدالقادر وعبدالله الرويشد ونوال الكويتية وكاظم الساهر وصابر الرباعي وراشد الماجد وغيرهم.
رثاء
ونعى رئيس الهيئة العامة للترفيه بالسعودية المستشار تركي آل الشيخ في تغريدة عبر حسابه بمنصة «إكس»، وفاة الأمير بدر بن عبدالمحسن، قائلاً: «رحم الله الأمير الشاعر صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن وغفرله واسكنه فسيح جناته، عزائي لأسرته الكريمة وأبنائه ولآل سعود الكرام والشعب السعودي، خبر حزين وأحس فقدت أب لي ولكن لا أقول إلا الحمدلله على كل حال».
كما نعاه العديد من الشعراء والفنانين، مستذكرين مناقبه ومآثره.
وقال الشاعر عبدالرحمن بن مساعد بن عبدالعزيز: «إنا لله وإنا إليه راجعون قدّر الله وما شاء فعل اللهم اغفر لعبدك بدر بن عبدالمحسن وارحمه واجعل ما أصابه من مرض تكفيراً له وأعلِ درجاته في الجنة وألهمنا الصبر.. فراقك أدمى قلبي يا بدر».
ونشر الفنان القدير نبيل شعيل صورة للراحل، وكتب «اللهم اغفر لعبدك بدر بن عبد المحسن ووسع مدخله واغسله بالثلج والماء والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس... اللهم ادخله جنة الفردوس الأعلى دون حساب ولا سابق عذاب برحمتك وعفوك نستغيث».
وكتبت الفنانة نوال الكويتية «رحل الأمير الشاعر الكبير الصديق والأب والقريب. ستبقى دائماً في قلوبنا وقلوب كل اللي يحبونك».
ونعى المطرب والملحن عبادي الجوهر «البدر» بقوله: رحم الله الأمير الشاعر صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن وغفر له وأسكنه فسيح جناته.. عزائي لأسرته الكريمة وأبنائه ولآل سعود الكرام.
وكتب الفنان عبدالمجيد عبدالله «رحل سمو الأمير بدر بن عبدالمحسن. رحل وترك خلفه إرثاً عظيماً يُخلّد مدى أعوام. نسأل الله له الرحمة والخلود في جنات النعيم (...)».
أما الفنان راشد الماجد، فكتب عبر حسابه «انطفى ضيّ الحروف.. والمسافر راح».
وتابع «رحم الله صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن، نسأل الله أن يتغمّده بواسع رحمته ويُسكنه فسيح جناته. فقد العالم العربي قامة ومدرسة شعرية وثقافية كبيرة».
ونعت الفنانة أحلام وفاة أمير الكلمة قائلة: «إنا لله وإنا إليه راجعون قدّر الله وما شاء فعل، اللهم اغفر لعبدك البدر بدر بن عبدالمحسن وارحمه واجعل ما أصابه من مرض تكفيراً له وارفع درجاته في الجنة وألهمنا الصبر.. اللهم اجبر قلوب أحبتي».
وكتب الشاعر نايف الرشيدي: «ذبلت أنوار الشوارع.. وانطفى ضيّ الحروف، رحل البدر؛ بدر الشعر والأدب والجمال، يا لعجز اللغة ووجع شعور عن وصف رحيله، اللهم ارحمه واغفر له وتجاوز عنه».
وقال الشاعر والكاتب محمد جبر الحربي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، علمت قبل قليل بانتقال الإنسان ثم الإنسان ثم الإنسان، والأخ والصاحب، ومُحب الجميع المحبوب، ورفيق الرحلة والحرف، صاحب السمو الملكي الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز إلى جوار ربه فجر اليوم في باريس، اللهم اغفر لعبدك المؤمن بقدرك بدر بن عبدالمحسن وارحمه، وأسكنه فسيح جنانك.. وإننا بفقدك يا بدر الوطن لمحزونون.. لا الدمع ولا الكلمات تعبّر عن المكنون».
علاقة مميزة مع الكويت
ارتبط الراحل بعلاقة مميزة مع الكويت وأهلها، وأحيا العديد من الأمسيات الشعرية، منها في العام 1988 في نادي الفتاة، وفي العام 1992 . كما كانت له مواقف مشرّفة مع الكويت في محنة الاحتلال ونشد في حبها العديد من القصائد.
واختارت الكويت الراحل العام الماضي شخصية العام في مهرجان القرين الثقافي في دورته الـ28.
وحال ظرف طارئ دون حضور الأمير ليلة التكريم، فأناب عنه ابنه الأمير سلطان. واعتذر الأمير عن الغياب شعراً فقال: «لا عدمت الحرص منّك في سؤالك... ولا عدمتك يا الكويت اللي أحبه... وإن منعني الظرف يومٍ لا أزورك... كل يومٍ و الهوى يمّك مهبّه».
كما كتب قصيدة بعنوان «محبوبة المطر»، قال فيها:
أقول الوسم وش خلى سحابه ينحدر للشرق
ترك كل الجهات ولا تغير في محاديره
نويت أعارض غيومه وأسافر مع غريب الطرق
أبا أدري هو صحيح إن المطر محبوبته ديره
عسقت الغيمة الشارد ولانت لي حبال البرق
وتعلقت بمعارف مهرتي لعلها خيره
فهقت طويق.. ولي قلبٍ يغني في نخيله ورق
وتسابق للثرى وبل دموعي من تباشيره
وللصمان في قلبي صواب.. وطعنتين.. وحرق
مداهيل الهوى الأول.. عسى تزهر نواويره
وبانت لي الكويت.. ولا تبين في المحبة فرق
أنا في دار خلاني.. ولي غير النسب جيره
عرفت الوسم وش خلى سحابه ينحدر للشرق
ترك كل الجهات.. ولاتغير عن محاديره
سيرة الرسام والشاعر
ولد الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن آل سعود في الرياض في شهر أبريل من العام 1949، في حي الفوطة، في عهد الملك عبدالعزيز، فنشأ في كنف والده الأمير الشاعر أيضاً عبدالمحسن بن عبدالعزيز، فيما عاصر ملوك السعودية كافة، كما احتفظ بالكثير من المواقف التي جمعته بهم.
درس في مراحل دراسته الأولى ما بين السعودية ومصر، ثم أكمل المرحلة المتوسطة في مدرسة الملكة فيكتوريا بالإسكندرية، فيما كانت المرحلة الثانوية في جدة. كما درس في بريطانيا وفي الولايات المتحدة الأميركية.
أما عن مسيرته المهنية، فيعد أول رئيس لمجلس إدارة الجمعية السعودية للثقافة والفنون، ما بين عامي 1973 و1977. وبعيداً عن كونه شاعراً، قلما يعرف البعض أنه رسام أيضاً، إذ بدأ حياته فناناً تشكيلياً، ثم شاعراً.
ونشر خلال مسيرته الشعرية، أهم دواوينه الشعرية «ما ينقش العصفور في تمرة العذق»، الذي صدر العام 1989، و«رسالة من بدوي» الذي صدر العام 1990، و«لوحة ربما قصيدة» الذي صدر العام 1996، و«ومض» الذي صدر العام 2010.
تكريمات
نتيجة لمسيرته الشعرية، نال الأمير الراحل في العام 2019 وشاح الملك عبدالعزيز الذي قدمه له الملك سلمان بن عبدالعزيز.
كما كرّمته الهيئة العامة للترفيه عام 2019 في ليلة كان عنوانها «ليلة الأمير بدر بن عبدالمحسن: نصف قرن والبدر مكتمل».
الأعمال الكاملة
في مارس 2021، أعلنت هيئة الأدب والنشر والترجمة في المملكة عزمها على جمع وطباعة الأعمال الأدبية الكاملة للأمير بدر بن عبدالمحسن تنفيذاً لتوجيه وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وذلك تقديراً لإسهاماته في الحراك الإبداعي السعودي خلال خمسة عقود من الزمن.
أبرز القصائد المغنّاة
كتب الأمير بدر بن عبدالمحسن العديد من القصائد الغنائية، والتي تغنى بها العديد من الفنانين، أبرزها «ما أطولك ليل»، «الهوى لو تمنى»، «عطني المحبة»، «زمان الصمت»، «الاختيار»، «سوالف ليل» و«نجمة ونهر» لطلال مداح.
كما تعاون مع المطرب محمد عبده في عدد من الأغاني أبرزها «وصوتك يناديني»، «أبعتذر»، «الرسايل»، «ردي سلامي»، «جمرة غضى»، «كل ما أقفيت» و«لا تجرحيني».
وغنّى له عبادي الجوهر «كأنك حبيبي»، «على الميهاف»، «لليل أحبك» و«على النوى»، وعبدالمجيد عبدالله «تخيل»، «موت وميلاد» و«طفلة وطفل».
وغنى من أشعاره «الصوت الجريح» الفنان الراحل عبدالكريم عبدالقادر «يطري عليه الوله»، فيما كتب للمطربة نوال الكويتية عدداً من الأغاني أبرزها «لا تيجي الليلة» و«أنت ولا الموت»، ولعبدالله الرويشد «حدك لي»، «نسيت الزمن» و«صدقيني».
كما كتب أغنية «عقد وسوار» لخالد عبدالرحمن، وغنى له راشد الماجد «المسافر» و«الحل الصعب» وكاظم الساهر «ناي»، «صور» و«الجريدة»، فيما تعاون مع صابر الرباعي في «لا أنت حارس للنجوم» وكتب «موال الشوق» لنجاة الصغيرة، و«أعلق الدنيا» و«أوقات» و«وش كنت أقول» لأصالة، و«جفن الليل» لماجد المهندس.
آخر إبداعاته
تُعتبر أغنية «لو سألوا حبيبي» آخر الأعمال التي كتبها الراحل، والتي تعاون فيها للمرة الأولى مع الفنانة نجوى كرم.
الأغنية التي صدرت الشهر الفائت، تصدرت قائمة «الأكثر مشاهدة» في عدد من المواقع الإلكترونية، حيث لاقت صدى واسعاً في عدد من الدول العربية، منها السعودية ولبنان والمغرب والأردن. وهي تُعتبر لوناً غنائياً وموسيقياً جديداً في مشوار نجوى كرم الغنائي.
«بتموت ما احدٍ ترى يمَّكْ»... آخر ما خطّه الراحل
كانت آخر أبيات غرّد بها الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن على منصة «إكس» قبل وفاته، «الناس ما همَّها ظروفكْ... كود الذي يحزن لغمّكْ... وإن شلت حملك على كتوفكْ... بتموت ما احدٍ ترى يمّكْ».