روحي مشوّشة، كل شيء يبدو متشابهاً، أرغب في الهرب، ولكن لا أستطيع.
أُريدُ أنْ أُعْنَى بِنَفْسي وَأنا بِلا طاقَةٍ، أُريدُ أنْ أَعِيشَ الحَياةَ، وَلَكِنَني من دونِ القُدْرَةِ، موازينَ الحَياةِ لَيسَتْ في صالِحي.
لا أتحمّل عَائِلَتِي، وَلَا أَسْتَطِيعُ الذَّهَابَ لأُنْجِزَ أَعْمَالِي.
هَلْ تَعْلَمُونَ مَا حَدَثَ؟ إِنَّهُ المَلَلُ.
فيروسُ المَلَلِ يا سادَةُ وَهُوَ آلِيّاتٌ دِفاعِيَّةٌ تُنَبِّهُنا يأَيُّها البَشَرُ أَنْتَ غَيْرُ مُنْتَبِهٍ لِما تَعْمَلُ وَلا تَشْعُرُ فِيهِ.
وَهٰذا تَنْبِيهٌ ايجابِيٌّ، وَلٰكِنَّ خُطُورَتَهُ عِنْدَما يَسْلُبُ مِنّا القُدْرَةَ عَلَى أَداءِ واجِباتِنا اليَوْمِيَّةِ وَالمُهِمَّةُ فِي الحَياةِ؛ لِأَنَّهُ هُنا سَيَتَحَوَّلُ مِنْ شُعُورٍ بِعَدَمِ القُدْرَةِ إِلَى حالَةِ عَدَمِ قُدْرَةٍ ثُمَّ إِلَى اِضْطِرابٍ نَفْسِيٍّ يُدْعَى الاِكْتِئابُ وَهُوَ فُقْدانُ مُتْعَةٍ وَمَعْنَى الحَياةِ. أَيْ المَلَلِ بَوّابَةَ الاكْتِئابِ الرَئِيسِيَّةِ واهِمٌ وَقُودٌ لَهُ.
وَمِنْ هُنا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَقُولَ إنَّ المَلَلَ هُوَ عَدَمُ الاسْتِشْعارِ بِما أَعْمَلَ مَعَ فُقْدانِ الطاقَةِ. وَهٰذا ما يَجْعَلُنا لا نَسْتَطِيعُ الحَرَكَةَ، وَلا نَسْتَطِيعُ التَقَدُّمَ وَلا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَعْمَلَ أَيَّ شَيْءٍ.
وَيَحْدُثُ ذٰلِكَ نَتِيجَةَ الرُوتِينِ الثابِتِ وَعِباراتِ الوُجُوبِ وَاللازِمِ.
دُونَ وُجُودِ قِيمَةٍ لَها، أَيْ أَنَّ ما يَجِبُ أَنْ نَعْمَلَهُ لَنْ نُتْقِنَهُ، وإنْ أَنْهَيْناهُ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ لا مَقْصُودَ فِي السَعْيِ.
أَيْ أَنَّ المَفْرُوضَ يَجِبُ أَنْ يَتَبادَلَ بِالقِيمَةِ لِيَتَغَلَّبَ عَلَى المَلَلِ الَّذِي سَبَّبَهُ عِباراتُ الفَرْضِ وَالوُجُوبِ مِثالٌ طالِبٌ جامِعِيٌّ يَدْرُسُ طِبّاً، وَالدِراسَةُ صَعْبَةٌ وَأَشْعُرُ بِالمَلَلِ.
الحَلُّ: اخْرُجْ مِنْ الكُلِّيَّةِ وَاذْهَبْ لِمَكانٍ أَسْهَلَ وَهُنا تُضَيِّعُ الأَحْلامُ، وَيَقَعُ بِالحُفْرَةِ هذِهِ الكَثِيرُ.
لِأَنَّنا لا نَعْرِفُ ماذا حَدَثَ لِلطالِبِ السابِقِ الَّذِي فَرَّطَ بِحُلْمِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ طَبِيباً. لِنُفَسِّرْ ذلِكَ الطالِبَ أُصِيبَ بِفيروس المَلَلِ، أَيْ فَقْدِ الطاقَةِ لِلدِراسَةِ؛ لِأَنَّهُ فَقَدَ القِيمَةَ مِنْ الدِراسَةِ، وَجَعَلَ نَفْسَهُ فِي إِطارٍ لازِمٍ ادْرُسْ، وَفُرِضَ عَلَيَّ أَخْلَصَ المَنْهَجِ وَأَنْجَحُ. لَوْ هذا الطالِبُ نَفْسُهُ قَرَّرَ أَنْ يَأْخُذَها ثَقافَةً وَتَطْوِيرَ مُخٍّ وَمَعْرِفَةَ ماذا يَجْرِي داخِلَ جِسْمِي، سَيَتَحَوَّلُ الأَمْرُ مِنْ مَلَلٍ إِلَى شَغَفٍ وَبَحْثٍ مُسْتَمِرٍّ وَمُتْعَةٍ بِالبَحْثِ ذاتِهِ.
فَهُنا شَغَفٌ ماذا يَحْدُثُ داخِلِي وَكَيْفَ يَتَحَرَّكُ جَسَدِي، وَكَيْفَ يَفْهَمُ عَقْلِي وَكَيْفَ يَسْتَجِيبُ جَسَدِي. أُمُورٌ جَمِيلَةٌ وَمِساحَةٌ فُضُولِيَّةٌ شائِقَةٌ لِلتَعَرُّفِ عَلَيْها؟ تَحَوَّلَتْ الدِراسَةُ الآنَ مِنْ دِراسَةِ طِبٍّ إِلَى شَغَفِ التَعَرُّفِ عَلَى الإِنْسانِ.
أَيْ أَنَّ قِيمَةَ الاسْتِمْتاعِ ارْتَبَطَتْ بِصِناعَةٍ قِيمَةٍ مِنْ شَيْءٍ لا وَضْعَها بِعِباراتِ الوُجُوبِ وَالفَرْضُ.
فَلا يَجِدُ المَلَلُ مَكاناً فيَ قَلْبَ الطالِبِ هُنا.
أَيْضاً التَسْوِيفُ وَما يَحْدُثُ لِكَثِيرٍ مِنْ الوَظائِفِ. هُوَ بَوّاباتُ المَلَلِ. حَيْثُ إِنَّ تَأْجِيلَ الشَيْءِ يُؤَدِّي إِلَى عَرْقَلَةِ الإِنْجازِ وَالإِحْساسُ بِكَثْرَةِ الأَشْياءِ حَوْلِي وَصُعُوبَةُ تَنْظِيمِها.
فَالهُرُوبُ هُوَ الحَلُّ الأَسْهَلُ مِنْ تَحَمُّلِ المَسْؤُولِيَّةِ وَأَيْضاً الرُوتِينُ الثابِتَ الَّذِي يَجْعَلُ آلِيَّةَ العَمَلِ واحِدَةً بِلا تَطَوُّرٍ.
هُوَ وَقُودٌ مُهِمٌّ لِلمَلَلِ لِأَنَّهُ سَيَجْعَلُ الإِنْسانَ يَفْقِدُ شُعُورَهُ بِالأَشْياءِ.
لِذا، يَجِبُ عَلَى العامِلِ أَنْ يُتْقِنَ فَنَّ أَخْذِ اِسْتِراحَةٍ بَيْنَ فَتَراتٍ العَمَلُ. وَأَنْ يَضَعَ عُنْواناً لِكُلِّ شَهْرٍ فِي حَياتِهِ وَيَعْمَلَ عَلَى العُنْوانِ ذاتِهِ.
وَأَكْثَرُ ما يَزِيدُ المَلَلَ هُوَ لَحْظَةُ بَرْمَجَةِ العَقْلِ، أَنَّ عِنْدَما أكسر الرُوتِينَ بِسَفَرٍ وَعَمَلِ شَيْءٍ جَدِيدٍ أَعُودُ إِلَى العَمَلِ، وأشعر بِالمَلَلِ مرة أخرى لِماذا يَحْدُثُ هذا؟ لِأَنَّنا نَعُودُ إِلَى العَمَلِ كَما كُنّا لا نَحْمِلُ قِيمَةً جَدِيدَةً لِما نَعْمَلُ.
لِذٰلِكَ، أَنْصَحُ المُوَظَّفين بِاِسْتِخْدامِ صُنْدُوقِ التَخَلُّصِ مِنْ ضَغْطِ العَمَلِ المُتَوافِرِ فِي مَرْكَزِي.
وأخيراً، الطعام ليس سبباً للملل، بل يزيد وزنك تدريجياً.
قَضاء الليالي بِمُشاهَدَة الأَفْلام بِتَفرُّغٍ يَسْحَبُ وَقْتَكَ.
القراءة هي سلاحنا الفعّال في هزيمة الملل.
تَجْرِبَةُ اكتِشافِ أُفُقٍ جَدِيدَةٍ تُثيرُ فِي داخِلِكَ شَعُورَ الحَماسِ وَالشَغَفِ لِاكتِسابِ المَزِيدِ مِنَ العِلْمِ من دونِ تَكلُّفٍ.
وَأَخِيراً علاج المَلَلِ هُوَ صُنْعُ قِيمَةٍ لِكُلِّ ما تَحْمِلُهُ فِي حَياتِكَ.
تَحِياتِي.