حذرت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار، من أن النظام العالمي الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية «مهدد بالانهيار»، وانتقدت خصوصاً إسرائيل والولايات المتحدة وكذلك روسيا والصين.
وجاءت تصريحات كالامار أمس، مع صدور التقرير السنوي للمنظمة حول حقوق الإنسان في العالم.
وقالت لـ «فرانس برس»، إن «كل ما شهدناه في الأشهر الـ 12 الأخيرة» من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا وميانمار والسودان وإثيوبيا، التي تشهد نزاعات تواكبها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، «يدل على أن النظام الدولي على وشك الانهيار».
وأضافت «في الأشهر الستة الماضية خصوصاً قامت الولايات المتحدة بحماية السلطات الإسرائيلية من أي تدقيق في الانتهاكات الكثيرة المرتكبة في غزة».
ونقل التقرير عن الأمينة العامة ان «اسرائيل أبدت تجاهلاً صارخاً للقانون الدولي زاد من وطأته تقاعس حلفائها عن إنهاء ما يتعرض له المدنيون في غزة من سفك للدماء يستعصي على الوصف»، مشيرة إلى أن «الكثير من هؤلاء الحلفاء هم أنفسهم مصممو النظام القانوني الذي أُرسيَ بعد الحرب العالمية الثانية».
وأضافت «في ظل العدوان الروسي المستمر على أوكرانيا وتزايد الصراعات المسلحة، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها على سبيل المثال السودان وإثيوبيا وميانمار (بورما سابقاً)، يبدو النظام العالمي القائم على القواعد مهدداً بالانهيار».
واتهمت الأمينة العامة للمنظمة غير الحكومية التي تتخذ في لندن مقراً لها، الولايات المتحدة «باستخدام حق النقض ضد وقف أساسي لإطلاق النار (...) فأفرغت مجلس الأمن من معناه».
ورأى التقرير أن «استخدام الولايات المتحدة السافر لحقها في النقض (الفيتو) شل مجلس الأمن لأشهر عدة ومنعه من اتخاذ قرار بالغ الضرورة لوقف إطلاق النار في غزة، فيما تواصل تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر التي تستخدمها في اقتراف ما يرقى، على الأرجح، إلى جرائم حرب».
وأشارت كالامار في الوقت نفسه إلى أن دولاً «فاعلة قوية» مثل روسيا والصين «تبدي في الوقت نفسه رغبتها في تعريض قواعد عام 1948 بأكملها للخطر»، حسب التقرير.
كذلك، يوثق التقرير «الخرق السافر للقواعد من جانب القوات الروسية أثناء غزوها واسع النطاق لأوكرانيا، إذ يسلط الضوء على الهجمات العشوائية على المناطق المدنية المكتظة بالسكان، وكذلك البنية التحتية للطاقة وتصدير الحبوب وإخضاع أسرى الحرب للتعذيب».
وتشير المنظمة غير الحكومية إلى أن «قوات الجيش في ميانمار والميليشيات الموالية لها شنت هجمات على المدنيين أدت إلى مقتل أكثر من ألف منهم خلال 2023 وحده»، معتبرة أن الصين ومن خلال غض الطرف عن الهجمات ضد السكان في خضم الحرب الأهلية، تصرفت أيضاً ضد القانون الدولي.
ويدين تقرير منظمة العفو الدولية، «الجرائم المروعة التي ارتكبتها حماس في 7 أكتوبر»، مشيرة إلى أن «السلطات الإسرائيلية ردت بشن غارات جوية بلا هوادة على مناطق مأهولة بالسكان المدنيين، فأبادت في كثير من الأحيان عائلات بأكملها وهجّرت نحو 1,9 مليون فلسطيني قسراً».
وأضاف أن اسرائيل «فرضت قيودا تحول دون وصول المساعدات الإنسانية التي بات السكان في أمسّ الحاجة إليها، رغم المجاعة المتزايدة في غزة».
«إصلاح مجلس الأمن»
بعد 200 يوم على بدء هذا النزاع ذي التداعيات العالمية، شككت كالامار في دور المؤسسات الدولية «التي كان يجب أن تتحرك ولكنها خذلتنا».
وقالت إن «تقاعس المجتمع الدولي المثير للحيرة والاستغراب في حماية الآلاف من المدنيين - من بينهم أطفال بنسبة مرتفعة ومروعة - من القتل في قطاع غزة المحتل يظهر جليًّا أن المؤسسات التي أنشئت خصيصاً لحماية المدنيين وتعزيز حقوق الإنسان لم تعد تصلح لهذا الغرض».
وأضافت أن «ما شهدناه في 2023 يؤكد أن الكثير من الدول النافذة تتخلى عن القيم الأساسية للإنسانية والعالمية المكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان».
وتابعت «بالنسبة للملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، ترمز غزة الآن إلى الفشل الأخلاقي المطلق للكثير من مهندسي النظام الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية».
وأكدت أنه «نظراً للوضع الراهن القاتم في العالم، يتعين اتخاذ تدابير عاجلة لتنشيط وتجديد المؤسسات الدولية التي تهدف إلى حماية الإنسانية، ولا بد من اتخاذ خطوات لإصلاح مجلس الأمن بحيث لا يظل بإمكان الدول دائمة العضوية ممارسة حقها في النقض بلا ضابط ولا رابط لمنع حماية المدنيين وتعزيز تحالفاتها الجيوسياسية».
وفي التقرير نفسه، حذرت منظمة العفو من أن «وتيرة انهيار سيادة القانون ستتسارع على الأرجح مع التطور السريع للذكاء الاصطناعي المقترن بهيمنة شركات التكنولوجيا العملاقة الذي ينطوي على خطر تعزيز انتهاكات حقوق الإنسان إذا ظلت اللوائح التنظيمية متخلفة عن مواكبة التطورات في هذا المجال».
وتحدثت عن «الاستخدام غير المنضبط للتكنولوجيات الجديدة (...) وبات من الشائع استخدام الأطراف العسكرية والسياسية والمؤسسات لهذه التكنولوجيات كأسلحة».
واتهم التقرير «منصات شركات التكنولوجيا العملاقة» بأنها «تساهم في تأجيج الصراعات وتُستخدم برامج التجسس الإلكتروني وأدوات المراقبة الجماعية في التعدي على الحقوق والحريات في حين تستخدم بعض الحكومات أدوات آلية تستهدف أشد الفئات تهميشًا في المجتمع».
وشددت كالامار على ضرورة أن تتخذ «الحكومات أيضاً خطوات تشريعية وتنظيمية حازمة للتصدي للمخاطر والأضرار الناجمة عن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي وكبح جماح شركات التكنولوجيا العملاقة».
وقالت «في عالم محفوف بالمخاطر المتزايدة، يمكن أن يكون انتشار واستخدام بعض التكنولوجيات بشكل غير منظّم، من قبيل الذكاء الاصطناعي التوليدي وتكنولوجيات التعرف على الوجه وبرامج التجسس الإلكتروني، بمثابة عدو خبيث؛ إذ قد يؤديان إلى تأجيج انتهاكات القانون الدولي وتصعيدها إلى مستويات استثنائية».
وأضافت «خلال عام حاسم حافل بالانتخابات وفي مواجهة جماعة ضغط متنامية النفوذ ومناهضة للوائح التنظيمية، تدفعها وتمولها شركات التكنولوجيا العملاقة، أصبحت هذه التطورات التكنولوجية الجامحة وغير المنظمة تشكِّل خطرًا جسيمًا يهددنا جميعاً».
ويفترض أن يشهد العام 2024 انتخابات في عدد من دول العالم من الولايات المتحدة إلى الهند مروراً بالمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأخيراً، شددت كالامار على أن «الحق في الاحتجاج مهم جداً لتسليط الضوء على الانتهاكات ومسؤوليات الزعماء»، مشيرة إلى أن «الناس أوضحوا بجلاء أنهم يريدون حقوقهم، وعلى الحكومات أن تثبت أنها تنصت إلى أصواتهم».