سنتطرق اليوم إلى حكاية أسير تخفي وراءها دروساً وعِبراً ذات قيم عظيمة قد يتعجب منها القارئ، وهي بالفعل قصة مليئة بالأحداث المثيرة وفيها الكثير من الإيثار والتعاون والتعاضد والتسليم للمولى عز وجل.

وكذلك تبيان الدور المميز للتلاحم بين أفراد الشعب وقيادته السياسية.

وبعد مرور تلك السنوات الطويلة والتي يبلغ عددها 33 عاماً على تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم، تمكنا من أخذ موافقة صاحب الحكاية على نشر ما جرى له خلال فترة الأسرِ الطويلة.

قصة الأسير / فلاح عبدالرسول بهبهاني

- المحطة الأولى:

كان يرى في الأحلام بأنه محبوس في قلعة مظلمة في إحدى الدول، وهناك حارس يحرس القلعة، وبعد أن يقوم بإعطاء الحارس ليرة ذهبية يفتح له الحارس الباب ليخرج.

وكان هذا الحلم يعاوده مرات عدة خلال سنوات متتالية كثيرة.

في شهر 4 /1990 رزقه الله بمولودة أسماها زهراء، وقد شاهد زوجته أم زينب، وأمامها ليرات ذهبية كهدايا للمولودة الجديدة فطلب منها أن يأخذ ليرة منها فقالت له: لماذا؟

فلم يخبرها بالحلم كي لا يشغل فكرها، وقال لها سأحتفظ بها في محفظتي كذكرى لابنتي الجديدة التي رزقني الله بها وكان له ما أراد.

ويوم التحاقه بعمله صباح يوم الخميس 1990/8/2 كان في محفظته مبلغ 30 ديناراً بالإضافة إلى الليرة الذهبية.

- المحطة الثانية، تلبية نداء الوطن:

الوظيفة: مهندس سلامة في شركة البترول الوطنية.

الحالة الاجتماعية: متزوج ولديه مولودتان زينب وزهراء.

العنوان: منطقة المنصورية.

التحق بالجيش لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية سنة 1990/1989

الوحدة: ضابط احتياط في سلاح الإشارة في معسكر الجيوان.

كانت الأخبار المتداولة قبل يوم الغزو أن هناك حشوداً عسكرية ضخمة للنظام العراقي بالقرب من الحدود الكويتية، والمعلومات الأولية تشير إلى أن هدف الغزاة هو اجتياز الحدود الكويتية والوصول إلى محطة أم العيش في شمال الكويت والتوقف عندها!

في فجر يوم الخميس الساعة 4:00 صباحاً وعلى أصوات دوي انفجار القنابل نهض المجند / فلاح، من نومه وارتدى البدلة العسكرية للالتحاق بوحدته العسكرية وطلب من زوجته (أم زينب) بتجهيز الأطفال واصطحابهم معها ليقوم بنقلهم إلى منزل عمه في منطقة مشرف، وأبلغها بأن هناك احتمالاً أن يحجز لمدة 3 أيام في المعسكر بسبب الظروف العسكرية، وبعد أن نقل أسرته إلى منزل عمه، واصل طريقه متوجهاً إلى المعسكر، وعند الاقتراب من الإشارة المرورية في منطقة كيفان عند الساعة 6:30 صباحاً، كان الشارع مغلقاً والسيارات عالقة فيه فترجل من سيارته وتوجه مشياً على قدميه إلى الإشارة المرورية ليرى سبب إغلاق الشارع، وهنا صرخ عليه أحد الجنود العراقيين الغزاة بصوت عال طالباً منه الوقوف.

ووجّه السلاح إليه مهدداً إياه بالاستسلام؟

وبعدها تم أسره وتقييد يديه وإركابه الباص مع الأسرى الآخرين.

المحطة الثالثة، رحلة الأسر:

تم نقل الأسرى إلى دوّار الشيراتون وطلبوا منهم النزول من الباص ومواجهة حائط منزل السميط في الشامية ليتم تنفيذ حكم الإعدام بهم فقام الأسرى بالتشهد بالشهادتين.

تم إيقاف عملية الإعدام من قِبل أحد الضباط العراقيين وقام الغزاة بنقل الأسرى بالباص إلى منطقة صفوان في العراق، بالإضافة إلى 5 باصات امتلأت بالمدنيين الأجانب بعد أن تم اختطافهم من الشوارع.

في عصر يوم الجمعة 1990/8/3 تم فرز ضباط الجيش على حسب الترتيب العسكري ونقلهم من صفوان إلى منطقة البرجسية للقاء المجرم /حسين كامل!

طلب فلاح بهبهاني، الإذن له بالصلاة فتم نهره، فأصرّ على الصلاة، فصلّى المغرب ووضع الحارس السلاح على رأسه طالباً إياه الإسراع في الصلاة وهنا اشتد النقاش بينهما فقال له: لن أقابل مَن في الغرفة؟

فقال له الحارس ستكون متمرداً إذاً على الأوامر، وأنت تعرف حكم المتمرد في العرف العسكري؟

فقال له: لا أبالي!

فقال الحارس: إذاً الإعدام هو سبيلك!

فقال له: اعدمني، فذلك لا يهمني!

وفي هذه الأثناء تم الإعلان عن تشكيل حكومة الخائن علاء حسين، الموقتة!

وكان الأمر الصادر هو نقل بقية الأسرى إلى البصرة للتحقيق معهم، فكان كل نصف ساعة يتم التحقيق مع واحد منهم ويتم إطلاق طلقة في الهواء لتوصيل رسالة للأسرى بمصير من لا يتعاون معهم وهو القتل، وكان دوره في التحقيق الساعة 4:30 فجراً!

يوم السبت 4 /8 /90 عند المغرب تم نقل الأسرى إلى محطة القطار في البصرة للتوجه إلى بغداد برحلة استغرقت 8 ساعات ومن ثم التوجه إلى معتقل الرشيد.

الضباط ذات الرتب العالية تم حجزهم في قسم خاص ابتداءً من رتبة مقدم إلى آخر رتبة عسكرية في الجيش.

500 ضابط من رتبة ملازم أول وملازم ثانٍ تم توزيعهم على 6 غرف صغيرة مساحتها 4*4 متر، وعدد 2 حمام، وهناك ساحة صغيرة هي المجال الذي يسمح للأسرى بالتواجد فيه، فاختار النوم في الحديقة تحت نخلة لمده 28 يوماً وافترش الساحة 200 ضابط من الأسرى!

كانت الوجبة صمونة شعير واحدة يومياً.

وبعد مرور 6 أيام زادت الحصة الغذائية لتكون 2 صمون.

وبعد مرور 8 أيام كانت هناك وجبة أرز واحدة بمكيال 2 جاروف متوسط (شبل)، لكل 10 أفراد!

- وبعد مرور 28 يوماً في هذا المعتقل الصغير تم نقل الأسرى بالقطار من بغداد إلى نينوى، والمعتقل كان عبارة عن قلعة كبيرة حُجِزَ فيها 10 آلاف عسكري أسير إيراني لمدة 10 سنوات، أطلق سراحهم وحل محلهم الأسرى الكويتيون الذين أسروا في الأيام الأولى من شهر 8 حتى أول شهر 11.