دعا اختصاصيان في علم الجيولوجيا إلى إحياء السياحة الجيولوجية في الكويت، مؤكدَين أن «الكويت تمتلك مواقع جيولوجية يمكن الاستفادة منها سياحياً واقتصادياً بشكل يضع الكويت في موقع متميز على خريطة السياحة الجيولوجية».
وأكد رئيس الجمعية الكويتية لعلوم الأرض الدكتور مبارك الهاجري أن «الكويت تزخر بالمواقع الجيولوجية التي يمكن للجهات الحكومية استغلالها»، ضارباً المثل بـ «وجود سكاني في منطقة جال الزور يعود لأكثر من 8 آلاف أو 10 آلاف عام للحضارة العبيدية».
وأشار إلى أن «منطقة جال الزور، التي تمتد على طول شمال جون الكويت من المطلاع إلى رأس الصبية تعد أحد أبرز المعالم الجيولوجية في الكويت، وذلك لاحتوائها على منكشفات صخرية رائعة من الممكن أن تستخدم سياحياً وتعليمياً وتثقيفياً».
الحضارة العبيدية
ولفت إلى أن «الحضارة العبيدية، التي ساهمت في تشكيل الأسس الثقافية والاجتماعية لمنطقة الخليج وخاصة دولة الكويت، يعود تاريخها إلى الألفية السادسة قبل الميلاد، وتميزت بنظام معماري متطور مع منازل مبنية من الطوب اللبن ومرتبة بطريقة منظمة، ما يعكس تقدمها الاجتماعي والتنظيمي»، موضحا أن «المكونات الثقافية لهذه الحضارة تضمنت الأواني الفخارية المزخرفة بدقة، الأدوات الحجرية، والتماثيل الصغيرة التي تعبر عن جوانب الحياة الدينية والثقافية للسكان».
وأشار إلى أن «من أبرز إنجازات الحضارة العبيدية تطوير تقنيات الزراعة والري، صناعة الفخار المتطورة، وبناء المعابد الدينية، مما كان له دور كبير في تطور التجارة والاقتصاد»، لافتا إلى أنه «في الكويت تم الكشف عن بقايا تعود لهذه الحضارة، والدور المهم الذي لعبته المنطقة في الشبكة التجارية والثقافية الواسعة للعصر العبيدي، ومساهمتها في تراث الشرق الأوسط الثقافي والتاريخي».
منطقة البحره
وبين أن الدراسات التي أجراها مع فريق بحثي حول منطقة البحره (التي تقع ضمن منطقة جال الزور) كشفت عن «صخور حمراء اللون داكنة تميل للون البنى تحاكي سطح كوكب المريخ»، لافتا إلى أنه «قام بمخاطبة الجهات الرسمية لإدراجها ضمن برنامج مبادرة المتنزهات الجيولوجية التابع لمنظمة اليونيسكو».
وشدد على أن «الكويت تمتلك مقومات السياحة الجيولوجية التي يجب أن توضع ضمن خريطة خطة عمل الدولة للاهتمام بتلك المواقع والاستفادة منها اقتصاديا»، داعيا إلى «إجراء مسح ميداني للمواقع الجيولوجية البارزة، وإعداد خريطة إرشادية عن أهميتها».
تجارب خليجية ناجحة
من جهته، أكد الأستاذ المساعد في قسم علوم الأرض والبيئة بجامعة الكويت أمين صندوق الجمعية الكويتية لعلوم الأرض الدكتور يعقوب الرفاعي أنه «في منطقة الخليج العربي قامت بعض الدول بالاستفادة من المواقع الجيولوجية في الجوانب الاقتصادية والسياحية».
وتابع «نجد في ما يتعلق بالجيولوجيا السياحية بروز عمان، الإمارات العربية المتحدة، والسعودية كوجهات رئيسية للسياحة الجيولوجية، حيث تستقطب تضاريسها المتنوعة ومواقعها الفريدة الزوار من شتى أنحاء العالم، فعمان تسلط الضوء على جبال الحجر وكهف الهوتة، وتدعو السياح لاستكشاف تكويناتها الصخرية الرائعة والظواهر الجيولوجية الطبيعية، والإمارات تبرز جبل حفيت ومحمية المرموم كمواقع جذب تعكس التنوع الجيولوجي وتوفر رؤية للتشكيلات الصحراوية والحياة البرية، بينما في السعودية، تستقطب جبال الدرع العربي وجبال حائل ومنطقة العلا ومدائن صالح الزوار لمشاهدة تشكيلاتها الصخرية العجيبة والتراث الأثري في دمج بين الأهمية الجيولوجية والثقافية، مما يعزز الوعي والاهتمام بالسياحة الجيولوجية ويسهم في النمو الاقتصادي المحلي».
وأضاف «أما من جانب الاستفادة من القطاع الجيولوجي والتعديني ففي السعودية، كان تأسيس هيئة للمساحة الجيولوجية خطوة مهمة نحو استكشاف وتقييم الموارد الطبيعية والمعدنية بطريقة منهجية وعلمية، نظرا لما تقوم به هذه الهيئة من رسم خرائط جيولوجية دقيقة، وإجراء البحوث والدراسات الجيولوجية، مما يساعد في تحديد فرص الاستثمار والتنمية في قطاع التعدين، فضلا عن المساهمة في الحد من المخاطر الجيولوجية وتعزيز السياحة الجيولوجية والتعليم العلمي. وفي دول الخليج الأخرى، ثمة وزارات للمعادن أو الهيئات المماثلة تلعب دوراً مركزياً في تنظيم قطاع التعدين واستغلال الموارد الطبيعية، ما يساهم في نمو الاقتصاد الإقليمي وتحسين الكفاءة في استخراج الموارد».
الأهمية الاقتصادية
للمواقع الجيولوجية
أكد الهاجري أن «المواقع الجيولوجية تمثل أهمية بالغة لأنها تساهم في البحث العلمي والتعليم، حيث توافر بيانات حيوية لفهم تاريخ وتطور الأرض، وتحفظ تاريخ الأرض الطبيعي وتعمل كأرشيف للتغيرات البيئية والمناخية عبر العصور»، لافتاً إلى أنه «من الناحية الاقتصادية، تجذب المواقع الجيولوجية السياح وتساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي».
ولفت إلى أن «الدراسات الجيولوجية تلعب دوراً مهماً في التنقيب عن الموارد الطبيعية مثل المعادن والنفط، وتساعد في التخطيط العمراني والإدارة البيئية، بما في ذلك تقييم المخاطر الطبيعية، وتحفظ تاريخ الأرض الطبيعي وتعمل كأرشيف للتغيرات البيئية والمناخية عبر العصور».
ودعا الهاجري الجهات الحكومية إلى «حماية هذه المواقع واستغلالها بطريقة مستدامة للحفاظ على الارث الطبيعي والثقافي ودعم البحث العلمي والتنمية المستدامة».
الجمعية الكويتية لعلوم الأرض... منصة لإدارة المعرفة التطبيقية
بين الهاجري أن «الجمعية الكويتية لعلوم الأرض أشهرت قبل عامين، بعد مخاض عسير ومحاولات استمرت لأكثر من 40 عاما، لافتا إلى أن مهمة الجمعية خلق جسر معرفي يربط ويشجع التعاون بين العاملين في مجال علوم الأرض من خبراء وباحثين ومهنيين لتعزيز نتاجهم المعرفي، مما يجعل الجمعية منصة لتمركز إدارة المعرفة التطبيقية في علوم الأرض ووسيلة لتعظيم الاستفادة من هذه المعرفة، الأمر الذي يعود بالنفع على مؤسسات الدولة ذات الشأن المشترك والمجتمع بأسره».
ولفت إلى أن «الجمعية تسعى أن تكون مرجعا رائدا ومحورا للابتكار والتميز في مجال علوم الأرض على المستوى الإقليمي والعالمي، وأن تسهم بفاعلية في تعزيز المعرفة وتطوير الممارسات المتعلقة بالجيولوجيا والموارد الطبيعية من أجل مستقبل مستدام».