تعاطف الناس بعضهم مع بعض من الفطرة التي فطرَ اللهُ تعالى الناسَ عليها، وحتى يكون التعاطف سمةً من السمات الواضحة للمجتمعات المسلمة، لا بد من التعرف على بعض المرتكزات الأساسية في كسب تعاطف الآخرين.

الحياة أخذ وعطاء، ولدى الناس ما يكفي من النبل والمروءة كي يواجهوا الإحسان إليهم بإحسان مقابل، لهذا لا ينتظر المرء الاهتمام به، إن تجاهل هو ما يمرون به الناس من مآسٍ وصعوبات، ومن يتجاهل مناسبات الفرح والسرور لدى جيرانه ومعارفه، لا ينتظر ولا يعاتب إن لم يتعاطفوا معه، لذا قبل أن ينتظر الإنسان التعاطف من غيره، عليه أولاً أن يكون متعاطفاً ومهتماً ومتفهماً للآخرين.

المتكبر والمغرور يحاولان دائماً أن يظهرا في مظهر من يملك التفوق الزائد، والقوة الفائضة، وهذا شيء يسبب للناس الكثير من الإزعاج، لأنهم لا يحبون من يدعي ما ليس له، وهم يخافون من بغي الأقوياء، ويحسدون المتميزين جداً، وهذا كله يجعل الناس بمن يشعرون أنهم متكبرون أو مغرورون علاقة سلبية وجافة. أما المتواضع على عكس من ذلك لأن حقيقته أكبر مما يتحدث عنه، ولهذا فهو يطلب من الناس أقل مما يستحقه من الاحترام والتوقير والاهتمام، وهذا شيء مرغوب ومحبوب لمعظم الناس.

من الطبيعي أن نخطىء، وهذا شيء مهم لا بد من تأسيسه في نظرتنا لأنفسنا، وأن يكون في تصرّفاتنا ما هو غير مقبول، وأن يكون فيها ما يثير الخلاف والجدل بين الناس. بعض الناس يقومون بإيجاد مبرّرات لكل تصرفاتهم، الصحيح منها والخاطئ، وهذا شيء غير موضوعي، ومخالف للواقع، مهما كان الخطأ كبيراً فإن الاعتراف به والاعتذار عنه يجلبان لصاحبه تعاطف الناس واعذارهم، لأنهم يعلمون بأنهم وقعوا في مثل ذلك الخطأ، أو يمكن أن يقعوا فيه.

من حق الإنسان كما كتبنا سابقاً أن ينال تعاطف الآخرين، كما أن عليه أن يمنحه لهم، لكن المبالغة في الحرص على لفت انتباه الآخرين، قد يعبر عن اضطراب في الشخصية. الذي يتسول تعاطف الناس على نحو مسرف، يعاني من نقص عاطفة الحب والتقدير تجاه ذاته، فهو يعاني من فراغ عاطفي مقلق، وثقته بنفسه ضعيفة، ولديه القليل من الأصدقاء المخلصين، وهو حائر في ملء أوقات فراغه. الذين أدمنوا الاستجداء العاطفي يشعرون بأن المجتمع أهملهم، وأنهم ضحايا لظلم أو لضعف الذكاء العاطفي لدى معارفهم والمحيطين بهم، لهذه الأسباب وأسباب أخرى فإنهم يطاردون الآخرين باحثين عن مديحهم وثنائهم وإعجابهم، واستمداد الدعم المعنوي منهم.

إن الإلحاح على الآخرين كي يمنحونا المزيد من التعاطف لا يؤتي ثماره، بل يؤدي إلى إحساسهم بأننا أشخاص غير متوازنين، وأننا نعاني من النقص في الكرامة، أي أننا بالإلحاح في طلب المزيد من التعاطف لا نصل إلى ما نريد من الآخرين، وإنما نكسب النظرة السلبية والدونية منهم.

همسة في أذن مَن شوهوا الفن الخليجي، بافتراضهم أن المُشاهد غبي ولا يعي من قضايا مجتمعه شيئاً، وصوّروا لنا أن ما يعرض هو ظواهر سلبية لا يمكن السيطرة عليها، وهي في الحقيقة حالات فردية يمكن حصرها وعدها، فلا تلحوا علينا بالتعاطف معكم من خلال تبريرات ومسوغات لا تنطلي حتى على الطفل الرضيع وليس على أفراد مجتمع ذكي وواعٍ ومدرك خطورة القضايا السلبية على مجتمعه.

M.alwohaib@gmail.com

mona_alwohaib@